تخلو الأفعال من شيء من هذا الحكم ـ أعنى تضمّنها معنى حرف النفى ـ كما تضمّن الأسماء معنى حرف الاستفهام ، ومعنى حرف الشرط ، ومعنى حرف التعريف فى أمس والآن ، ومعنى حرف الأمر فى تراك وحذار وصه ومه ونحو ذلك. وكأنّ الحرف الزائد الذى لا يكاد ينفك منه أفعال السلب يصير كأنه عوض من حرف السلب. وأيضا فإن الماضى وإن عرى من حرف الزيادة فإن المضارع لا بدّ له من حرف المضارعة ، والأفعال كلها تجرى مجرى المثال الواحد. فإذا وجد فى بعضها شيء فكأنه موجود فى بقيّتها.
وإنما جعلنا هذه الأفعال فى كونها ضامنة لمعنى حرف النفى ملحقة بالأسماء فى ذلك ، وجعلنا الأسماء أصلا فيه ، من حيث كانت الأسماء أشدّ تصرّفا فى هذا ونحوه من الأفعال ؛ إذ كانت هى الأول ، والأفعال توابع وثوان لها ؛ وللأصول من الاتساع والتصرف ما ليس للفروع.
فإن قيل : فكان يجب على هذا أن يبنى من الأسماء ما تضمّن هذا المعنى ، وهو ما ذكرته : من التودية والسكاك والنالة والمئلاة ، وأنت ترى كلّا من ذلك معربا.
قيل : الموضع فى هذا المعنى من السلب إنما هو للفعل ، وفيه كثرته ، فلمّا لم يؤثّر هذا المعنى فى نفس الفعل كان ألا يؤثّر فيما هو محمول عليه (أولى) وأحرى بذلك.
فإن قيل : وهلا أثّر هذا المعنى فى الفعل أصلا ، كما يؤثّر تضمّن معنى الحرف فى الاسم؟ قيل : البناء لتضمّن معنى الحرف أمر (يخصّ الاسم) ؛ ككم وأين وكيف ومتى ونحو ذلك ؛ والأفعال لا تبنى لمشابهتها الحروف. أمّا الماضى فلأنّ فيه من البناء ما يكفيه ، وكذلك فعل الأمر العارى من حرف المضارعة ، نحو افعل.
وأما المضارع فلأنه لمّا أهيب به ورفع عن ضعة البناء إلى شرف الإعراب لم يروا أن يتراجعوا به إليه ، وقد انصرفوا به عنه لئلا يكون ذلك نقضا.
فإن قلت : فقد بنوا من الفعل المعرب ما لحقته نون التوكيد ، نحو لتفعلنّ.
قيل : لمّا خصّته النون بالاستقبال ، ومنعته الحال التى المضارع أولى بها ، جاز أن يعرض له البناء. وليس كذلك السين وسوف ؛ لأنهما لم يبنيا معه بناء نون التوكيد فيبنى هو ، وإنما هما فيه كلام التعريف (الذى لا يوجب) بناء الاسم ؛ فاعرفه.