باب فى وجوب الجائز
وذلك فى الكلام على ضربين :
أحدهما أن توجبه الصنعة ، فلا بدّ إذا منه.
والآخر أن تعتزمه العرب فتوجبه ، وإن كان القياس يبيح غيره.
الأوّل من ذلك كأن تقول فى تحقير أسود : أسيّد. وإن شئت صحّحت فقلت : أسيود. والإعلال فيه أقوى ؛ لاجتماع الياء والواو وسبق الأولى منهما بالسكون.
وكذلك جدول ؛ تقول فيه : جديّل. وإن شئت صحّحت ، فقلت : جديول. فإذا صرت إلى تحقير نحو عجوز ، ويقوم اسم رجل ، قلت بالإعلال لا غير : عجيّز ، ويقيّم. وفى مقام : مقيّم البتة. وذلك أنك إنما كنت تجيز أسيود وجديولا لصحّة الواو فى الواحد ، وظهورها فى الجمع ؛ نحو أساود وجداول. فأمّا مقام ويقوم علما فإن العين وإن ظهرت فى تكسيرهما ـ وهو مقاوم ويقاوم ـ فإنها فى الواحد معتلّة ؛ ألا (ترى أنها) فى (مقام) مبدلة ، وفى (يقوم) مضعفة بالإسكان لها ، ونقل الحركة إلى الفاء عنها. فإذا كنت تختار فيما تحرّكت واو واحده وظهرت فى جمعه الإعلال ، صار القلب فيما ضعفت واوه بالقلب ، وبألا تصحّ فى جمعه ، واجبا لا جائزا. وأمّا واو عجوز فأظهر أمرا فى وجوب الإعلال من يقوم ومقام ؛ (لأنها) لا حظ لها فى الحركة ، ولا تظهر أيضا فى التكسير ، إنما تقول : عجائز ، ولا يجوز عجاوز على كل حال.
وكذلك تقول : ما قام إلا زيدا أحد ، فتوجب النصب إذا تقدّم المستثنى ، إلا فى لغة ضعيفة. وذلك أنك قد كنت تجيز : ما قام أحد إلا زيدا ، فلما قدّمت المستثنى لم تجد قبله ما تبدله منه ، فأوجبت من النصب له ما كان جائزا فيه. ومثله : فيها قائما رجل. وهذا معروف.
الثانى منهما وهو اعتزام أحد الجائزين. وذلك قولهم : أجنة فى الوجنة. قال أبو حاتم : (ولا) يقولون : وجنة ، وإن كانت جائزة. ومثله قراءة بعضهم : (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً) [النساء : ١١٧] جمع وثن ولم يأت فيه التصحيح : وثن. فأمّا