باب فى الدلالة اللفظية والصناعية والمعنوية
«اعلم أن كل واحد من هذه الدلائل معتدّ مراعى مؤثر ؛ إلا أنها فى القوّة والضعف على ثلاث مراتب :
فأقواهنّ الدلالة اللفظية ، ثم تليها الصناعية ، ثم تليها المعنوية. ولنذكر من ذلك ما يصحّ به الغرض.
فمنه جميع الأفعال. ففى كل واحد منها الأدلّة الثلاثة. ألا ترى إلى قام ، و (دلالة لفظه على مصدره) ودلالة بنائه على زمانه ، ودلالة معناه على فاعله.
فهذه ثلاث دلائل من لفظه وصيغته ومعناه. وإنما كانت الدلالة الصناعيّة أقوى من المعنويّة من قبل أنها وإن لم تكن لفظا فإنها صورة يحملها اللفظ ، ويخرج عليها ويستقرّ على المثال المعتزم بها. فلمّا كانت كذلك لحقت بحكمه ، وجرت مجرى اللفظ المنطوق به ، فدخلا بذلك فى باب المعلوم بالمشاهدة». وأما المعنى فإنما دلالته لاحقة بعلوم الاستدلال ، وليست فى حيّز الضروريات ؛ ألا تراك حين تسمع ضرب قد عرفت حدثه ، وزمانه ، ثم تنظر فيما بعد ، فتقول : هذا فعل ، ولا بدّ له من فاعل ، فليت شعرى من هو؟ وما هو؟ فتبحث حينئذ إلى أن تعلم الفاعل من هو وما حاله ، من موضع آخر لا من مسموع ضرب ؛ ألا ترى أنه يصلح أن يكون فاعله كلّ مذكّر يصحّ منه الفعل ، مجملا غير مفصّل. فقولك : ضرب زيد ، وضرب عمرو ، وضرب جعفر ، ونحو ذلك شرع سواء ، وليس لضرب بأحد الفاعلين هؤلاء (ولا) غيرهم خصوص ليس له بصاحبه ؛ كما يخصّ بالضرب دون غيره من الأحداث ، وبالماضى دون غيره من الأبنية. ولو كنت إنما تستفيد. الفاعل (من لفظ) ضرب لا معناه للزمك إذا قلت : قام أن تختلف دلالتهما على الفاعل لاختلاف لفظيهما ، كما اختلفت دلالتهما على الحدث لاختلاف لفظيهما ، وليس الأمر فى هذا كذلك ، بل دلالة ضرب على الفاعل كدلالة قام ، وقعد ، وأكل وشرب وانطلق ، واستخرج عليه ، لا فرق بين جميع ذلك.
فقد علمت أن دلالة المثال على الفاعل من جهة معناه ، لا من جهة لفظه ؛ ألا