فجمع بين ما وإن ، وكلاهما لمعنى النفى ، وهما ـ كما ترى ـ حرفان.
قيل : ليست إن من قوله :
* ما إن يكاد يخلّيهم لوجهتهم*
بحرف نفى فيلزم ما رمت إلزامه ، وإنما هى حرف يؤكّد به ، بمنزلة ما ولا والباء ومن وغير ذلك ؛ ألا ترى إلى قولهم فى الاستثبات عن زيد من نحو قولك جاءنى زيد : أزيد إنيه؟ وفى باب رأيت زيدا : أزيدا إنيه؟ فكما زيدت (إن) هنا توكيدا مع غير (ما) ، فكذلك زيدت مع (ما) توكيدا.
وأما قوله :
طعامهم لئن أكلوا معدّ |
|
وما إن لا تحاك لهم ثياب (١) |
فإنّ (ما) وحدها أيضا للنفى (وإن) و (لا) جميعا للتوكيد ، ولا ينكر اجتماع حرفين للتوكيد لجملة الكلام. وذلك أنهم قد وكّدوا بأكثر من الحرف الواحد فى غير هذا. وذلك قولهم : لتقومنّ ولتقعدنّ. فاللام والنون جميعا للتوكيد. وكذلك قول الله ـ جلّ وعزّ ـ : (فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً) [مريم : ٢٦]. فما والنون جميعا مؤكّدتان. فأما اجتماع الحرفين فى قوله :
* وما إن لا تحاك لهم ثياب*
وافتراقهما فى لتفعلنّ وإمّا ترينّ فلأنهم أشعروا لجمعهم إياهما فى موضع واحد بقوّة عنايتهم بتوكيد ما هم عليه ؛ لأنهم كما جمعوا بين حرفين لمعنى واحد ، كذلك أيضا جعلوا اجتماعهما وتجاورهما تنويها وعلما على قوّة العناية بالحال.
وكأنهم حذوا ذلك على الشائع الذائع عنهم من احتمال تكرير الأسماء المؤكّد بها فى نحو أجمع وأكتع وأبضع وأبتع وما يجرى مجراه. فلمّا شاع ذلك وتنوزع فى غالب الأمر فى الأسماء لم يخلوا الحروف من نحو منه ؛ إيذانا بما هم عليه مما اعتزموه ووكّدوه. وعليه أيضا ما جاء عنهم من تكرير الفعل فيه ؛ نحو قولهم : اضرب اضرب ، وقم قم ، وارم ارم ، وقوله :
__________________
(١) البيت من الوافر ، وهو بلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ٤٣٠ ، وتذكرة النحاة ص ٦٦٧ ، وخزانة الأدب ١١ / ١٤١ ، والدرر ٦ / ٢٥٦ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٥٨.