* أتاك أتاك اللّاحقوك احبس احبس (١) *
فاعرف ذلك فرقا بين توكيد المعنى الواحد ، ـ نحو الأمر والنهى والإضافة ـ وتوكيد معنى الجملة ، فى (امتناع اجتماع) حرفين لمعنى واحد ، وجواز اجتماع حرفين لمعنى جملة الكلام فى لتقربنّ وإمّا ترينّ ؛ ألا ترى أنك إذا قلت : هل تقومنّ ف (هل) وحدها للاستفهام ؛ وأما النون فلتوكيد جملة الكلام. يدلّ على أنها لذلك لا لتوكيد معنى الاستفهام وحده وجودك إياها فى الأمر ؛ نحو اضربنّ زيدا ، وفى النهى فى لا تضربنّ زيدا ، والخبر فى لتضربنّ زيدا ، والنفى فى نحو قلّما تقومنّ ، فشياعها فى جميع هذه المواضع أدلّ دليل على ما نعتقده : من كونها توكيدا لجملة القول ، لا لمعنى مفرد منه مخصوص ؛ لأنها لو كانت موضوعة له وحده لخصّت به ، ولم تشع فى غيره كغيرها من الحروف.
فإن قلت : يكون من الحروف ما يصلح من المعانى لأكثر من الواحد ؛ نحو : من ، فإنها تكون تبعيضا وابتداء ، ولا ، تكون نفيا ونهيا وتوكيدا ، وإن ، فإنها تكون شرطا ونفيا وتوكيدا.
قيل : هذا إلزام يسقطه تأمّله. وذلك أن من ولا وإن ونحو ذلك لم يقتصر بها على معنى واحد ؛ لأنها حروف وقعت مشتركة كما وقعت الأسماء مشتركة ؛ نحو الصدى ؛ فإنه ما يعارض الصوت ، وهو بدن الميت ، وهو طائر يخرج فيما يدّعون من رأس القتيل إذا لم يؤخذ بثأره. وهو أيضا الرجل الجيّد الرعية للمال فى قولهم : هو صدى مال ، وخائل مال ، وخال مال ، وسر سور مال ، وإزاء مال ، و (نحو ذلك من) الشوى (٢) ونحوه مما اتفق لفظه واختلف معناه. وكما وقعت الأفعال مشتركة ؛ نحو وجدت فى الحزن ، ووجدت فى الغضب ، ووجدت فى الغنى ، ووجدت فى الضالّة ، ووجدت بمعنى علمت ، ونحو ذلك ، فكذلك جاء نحو هذا فى الحروف. وليست كذلك النون ؛ لأنها وضعت لتوكيد ما قد أخذ مأخذه ، واستقرّ من الكلام بمعانيه المفادة من أسمائه وأفعاله وحروفه. فليست
__________________
(١) سبق.
(٢) الشوى : الهيّن من الأمر ، والشوى : اليدان والرجلان وأطراف الأصابع وقحف الرأس. اللسان (شوا).