باب فى فك الصيغ
اعلم أن هذا موضع من العربيّة لطيف ، ومغفول عنه وغير مأبوه له. وفيه من لطف المأخذ وحسن الصنعة ما أذكره ، لتعجب منه ، وتأنق له.
وذلك أن العرب إذا حذفت من الكلمة حرفا ، إمّا ضرورة أو إيثارا ، فإنها تصوّر تلك الكلمة بعد الحذف منها تصويرا تقبله أمثلة كلامها ، ولا تعافه وتمجّه لخروجه عنها ؛ سواء كان ذلك الحرف المحذوف أصلا أم زائدا. فإن كان ما يبقى بعد ذلك الحرف مثالا تقبله مثلهم أقرّوه عليه. وإن نافرها وخالف ما عليها أوضاع كلمتها نقض عن تلك الصورة ، وأصير إلى احتذاء رسومها.
فمن ذلك أن تعتزم تحقير نحو منطلق أو تكسيره ؛ فلا بدّ من حذف نونه.
فإذا أنت حذفتها بقى لفظه بعد حذفها : مطلق ، ومثاله مفعل. وهذا وزن ليس فى كلامهم ؛ فلا بدّ إذا من نقله إلى أمثلتهم. ويجب حينئذ أن ينقل فى التقدير إلى أقرب المثل منه ؛ ليقرب المأخذ ، ويقلّ التعسّف. فينبغى أن تقدّره قد صار بعد حذفه إلى مطلق ؛ لأنه أقرب إلى مطلق من غيره ، ثم حينئذ من بعد تحقّره ، فتقول : مطيلق ، وتكسّره فتقول : مطالق ؛ كما تقول فى تحقير مكرم وتكسيره : مكيرم ومكارم. فهذا باب قد استقرّ ووضح ؛ فلتغن به عن إطالة القول بإعادة مثله. وسنذكر العلّة التى لها ومن أجلها وجب عندنا اعتقاد هذا فيه بإذن الله. فإن كان حذف ما حذف من الكلمة يبقّى منها بعده مثالا مقبولا (لم يكن لك بدّ فى الاعتزام عليه وإقراره) على صورته تلك البتّة. وذلك كقولك فى تحقير حارث على الترخيم : حريث. فهذا لمّا حذفت ألفه بقى من بعد على حرث ، فلم يعرض له بتغيير ؛ لأنه كنمر ، وسبط وحذر.
فمن مسائل هذا الباب أن تحقّر جحنفلا أو تكسّره ؛ فلا بدّ من حذف نونه ، فيبقى بعد : جحفل ، فلا بد من إسكان عينه إلى أن يصير : جحفل. ثم بعد ما تقول : جحيفل وجحافل. وإن شئت لم تغيّر واحتججت بما جاء عنهم من قولهم فى عرنتن : عرتن. فهذا وجه. ومنها تحقير سفرجل. فلا بدّ من حذف لامه ،