إلا أنك مع ذلك لا تغيّره ؛ لأنه هو فواعل ، وإنما حذفت الألف وهى فى تقدير الثبات. ودليل ذلك توالى حركاته كتوالى حركات علبط وبابه ؛ فتقول فى تحقيره وتكسيره : عويرض ، وعوارض. ومثله هداهد وهداهد ، وقناقن وقناقن ، وجوالق وجوالق. فإن حقّرت نحو عنتريس أو كسّرته حذفت نونه ، فبقى فى التقدير عتريس. وليس فى الكلام شيء على فعليل ، فيجب أن تعدله إلى أقرب الأشياء منه ، فتصير إلى فعليل : عتريس ، فتقول : عتيريس ، وعتاريس. فإن حقّرت خنفقيقا حذفت القاف الأخيرة ، فيبقى : خنفقى ، وهذا فنعلى ، وهو مثال غير معهود ، فتحذف الياء ، فيبقى خنفق : فنعل ؛ كعنبس وعنسل ، فتقول فيه : خنيفق ، وخنافق. وعليه قول الراجز :
* بنى عقيل ماذه الخنافق*
وليس عنتريس كخنفقيق ؛ لأنه رباعيّ ، فلا بدّ من حذف نونه ، وخنفقيق ثلاثىّ ، فإحدى قافيه زائدة ، فلذلك حذفت الثانية ، وفيه شاهد لقول يونس فى أن الثانى من المكرّر هو الزائد.
والذى يدلّ على أن العرب إذا حذفت من الكلمة حرفا راعت حال ما بقى منه ، فإن كان مما تقبله أمثلتهم أقرّوه على صورته ، وإن خالف ذلك مالوا به إلى نحو صورهم قول الشّماخ :
حذاها من الصيداء نعلا طراقها |
|
حوامى الكراع المؤيدات العشاوز (١) |
ووجه الدلالة من ذلك أنه تكسير عشوزن ، فحذف النون لشبهها بالزائد ؛ كما حذفت الهمزة فى تحقير إسماعيل وإبراهيم لشبهها بالزائد فى قولهم : بريهيم وسميعيل ، وإن كانت عندنا أصلا. فلمّا حذف النون بقى معه عشوز ، وهذا مثال فعول ، وليس من صور أبنيتهم ، فعدله إلى عشوز ، وهذا مثال فعول ، ليلحق بجدول وقسور ثم كسّره فقال : عشاوز. والدليل على أنه قد نقله من عشوز إلى
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو للشماخ فى ديوانه ص ١٩٣ ، ولسان العرب (حبر) ، وأساس البلاغة (عوز) ، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ٨١٨ ، والمقتضب ٣ / ٨١. والصيداء : الحصى. والحوامى : الحجارة. أى حذاها حرّة نعالها الصخور. البيت فى اللسان (صيد). العشاوز : الواحد عشوز : ما صلب مسلكه من طريق أو أرض.