ومن ذلك جميع ما كسّرته العرب على حذف زائده ؛ كقولهم فى جمع كروان : كروان. وذلك أنك لمّا حذفت ألفه ونونه بقى معك كرو ، فقلبت واوه ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها طرفا ، فصارت كرا ، ثم كسّرت (كرا) هذا على كروان ؛ كشبث وشبثان (١) ، وخرب وخربان (٢). وعليه قولهم فى المثل : أطرق كرا ؛ إنما هو عندنا ترخيم كروان على قولهم : يا حار. وأنشدنا لذى الرمة :
من آل أبى موسى ترى الناس حوله |
|
كأنهم الكروان أبصرن بازيا (٣) |
(فالواو الآن فى كروان إنما هى بدل من ألف كرا المبدلة من واو كروان).
ومنه قول الله سبحانه : (حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ) [الأحقاف : ١٥] وهو عند سيبويه تكسير شدّة على حذف زائدته. وذلك أنه لمّا حذف التاء بقى الاسم على شدّ ، ثم كسّره على أشدّ ، فصار كذئب وأذؤب ، وقطع وأقطع. ونظير شدّة وأشدّ قولهم : نعمة وأنعم ، وقال أبو عبيدة : هو جمع أشدّ على حذف الزيادة. قال : وربما استكرهوا على ذلك فى الشعر ؛ وأنشد بيت عنترة :
عهدى به شدّ النهار كأنّما |
|
خضب اللّبان ورأسه بالعظلم (٤) |
ألا تراه لمّا حذف همزة أشدّ بقى معه شدّ ، كما ترى ، فكسّره على أشدّ ، فصار كضبّ وأضبّ ، وصكّ وأصكّ.
ومن فكّ الصيغة ـ إلا أن ذلك إلى الزيادة لا إلى النقص ـ ما حكاه الفرّاء من
__________________
(١) الشّبث : دويبّة تسمى شحمة الأرض ؛ وقيل هى العنكبوت ، والجمع أشباث وشبثان. وانظر اللسان (شبث).
(٢) الخرب : الشعر المقشعرّ فى الخاصرة ، والخرب : ذكر الحبارى ، وقيل هى الحبارى كلها ، والجمع خراب وأخراب وخربان. وانظر اللسان (خرب).
(٣) البيت من الطويل ، وهو لذى الرمة فى ديوانه ص ١٣١٣ ، والأشباه والنظائر ٢ / ٤١٢ ، وخزانة الأدب ٢ / ٣٧٧ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٥٥٣ ، والمنصف ٣ / ٧٢.
(٤) البيت من الكامل ، وهو لعنترة فى ديوانه ص ٢١٣ ، ولسان العرب (شدد) ، وتاج العروس (شدد). اللّبان : الصدر. والعظلم : صبغ أحمر.