أختيها ، وقضيب بكّر أنعم وأتمّ من قوصّ به ، وتمودّ ثوبه ؛ لبعد الواو من أعرق الثلاث فى المدّ ـ وهى الألف ـ ، وقرب الياء إليها. نعم ، وربما لم يكتف من تقوى لغته ، ويتعالى تمكينه وجهارته ، بما تجشمه من مدّ الألف فى هذا الموضع ، دون أن يطغى به طبعه ، ويتخطى به اعتماده ووطؤه ، إلى أن يبدل من هذه الألف همزة ، فيحمّلها الحركة التى كان كلفا بها ، و (مصانعا بطول) المدّة عنها ، فيقول : شأبّة ودأبّة. وسنأتى بنحو هذا فى بابه ؛ قال كثيّر :
* إذا ما العوالى بالعبيط احمأرّت*
وقال :
وللأرض أمّا سودها فتجلّلت |
|
بياضا وأمّا بيضها فاسوأدّت (١) |
وهذا الهمز الذى تراه أمر يخصّ الألف دون أختيها. وعلّته فى اختصاصه بها دونهما ، أن همزها فى بعض الأحوال إنما هو لكثرة ورودها ساكنة بعدها الحرف المدغم ، فتحاملوا وحملوا أنفسهم على قلبها همزة ؛ تطرّقا إلى الحركة وتطاولا إليها ، إذ لم يجدوا إلى تحريكها هى سبيلا ، لا فى هذا الموضع ولا فى غيره.
وليست كذلك أختاها ؛ لأنهما وإن سكنتا فى نحو هذا قضيب بكّر وتمودّ الثوب فإنهما قد تحرّكان كثيرا فى غير هذا الموضع. فصار تحرّكهما فى غير هذا الموضع عوضا من سكونهما فيه. فاعرف ذلك فرقا.
وقد أجروا الياء والواو الساكنتين المفتوح ما قبلهما مجرى التابعتين لما هو منهما. وذلك نحو قولهم : هذا جيب بكّر أى جيب بكر ، وثوب بكّر ، أى ثوب بكر. وذلك أن الفتحة وإن كانت مخالفة الجنس للياء والواو فإن فيها سرّا ، له ومن أجله جاز أن تمتدّ الياء والواو بعدها فى نحو ما رأينا. وذلك أن أصل المدّ وأقواه ، وأعلاه وأنعمه وأنداه ، إنما هو للألف. وإنما الياء والواو فى ذلك محمولان عليها ، وملحقان فى الحكم بها ، والفتحة بعض الألف ، فكأنها إذا
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو لكثير عزة فى ديوانه ص ٣٢٣ ، والمخصص ١٠ / ١٦٦ ، ويروى :(فادهأمت) مكان (فاسوأدت). وهو يريد بتجلل الأرض بياضا واسوداد بياضها اضطرابها أو يريد أن قبورها أصبحت بيضا به ، وظهرها أصبح أسود بزواله عنه. (نجار).