قدّمت قبلهما فى نحو بيت وسوط إنما قدمت الألف ؛ إذ كانت الفتحة بعضها ، فإذا جاءتا بعد الفتحة جاءتا فى موضع قد سبقتهما إليه الفتحة التى هى ألف صغيرة ، فكان ذلك سببا للأنس بالمدّ ، لا سيما وهما بعد الفتحة ـ لسكونهما ـ أختا الألف وقويّتا الشبه بها ؛ فصار ثوب وشيخ نحوا من شاخ وثاب ، فلذلك ساغ وقوع المدغم بعدهما. فاعرف ذلك.
وأمّا مدّها عند التذكر فنحو قولك : أخواك ضربا ، إذا كنت متذكّرا للمفعول به (أو الظرف أو نحو ذلك) أى ضربا زيدا ونحوه. وكذلك تمطل الواو إذا تذكّرت فى نحو ضربوا ، إذا كنت تتذكر المفعول أو الظرف أو نحو ذلك : أى ضربوا زيدا ، أو ضربوا يوم الجمعة ، أو ضربوا قياما فتتذكر الحال. وكذلك الياء فى نحو اضربى ، أى اضربى زيدا ونحوه.
وإنما مطلت ومدّت هذه الأحرف فى الوقف وعند التذكر ، من قبل أنك لو وقفت عليها غير ممطولة ولا ممكّنة المدّة ، فقلت : ضربا وضربوا واضربى وما كانت هذه حاله وأنت مع ذلك متذكر لم (توجد فى) لفظك دليلا على أنك متذكّر شيئا ، ولأوهمت كل الإيهام أنك قد أتممت كلامك ولم يبق من بعده مطلوب متوقّع لك ؛ لكنك لمّا وقفت ومطلت الحرف علم بذلك أنك متطاول إلى كلام تال للأوّل منوط به ، معقود ما قبله على تضمّنه وخلطه بجملته.
ووجه الدلالة من ذلك أن حروف اللين هذه الثلاثة إذا وقف عليهنّ ضعفن ، وتضاءلن ، ولم يف مدّهنّ ، وإذا وقعن بين الحرفين تمكّنّ ، واعترض الصدى معهنّ. ولذلك قال أبو الحسن : إن الألف إذا وقعت بين الحرفين كان لها صدى.
ويدلّ على ذلك أن العرب لمّا أرادت مطلهنّ للندبة وإطالة الصوت بهنّ فى الوقف ، وعلمت أن السكوت عليهن ينتقصهنّ ولا يفى بهن ، أتبعتهنّ الهاء فى الوقف ؛ توفية لهنّ ، وتطاولا إلى إطالتهنّ. وذلك قولك : وا زيداه ، وا جعفراه.
ولا بدّ من الهاء فى الوقف ، فإن وصلت أسقطتها ، وقام التابع غيرها فى إطالة الصوت مقامها. وذلك قولك : وا زيدا ، وا عمراه. وكذلك أختاها. وذلك قولهم : وانقطاع ظهرهيه ، ووا غلامكيه ، ووا غلامهوه ، ووا غلامهموه. وتقول فى الوصل : وا غلامهمو لقد كان كريما! وانقطاع ظهرهى من هذا الأمر!