وأصله : امك هابل ؛ إلا أن همزة (أمّك) كسرت لانكسار ما قبلها ؛ على حدّ قراءة من قرأ : (فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ)(١) [النساء : ١١] فصار : أمّك هابل ، ثم أتبع الكسر الكسر ، فهجمت كسرة الإتباع على ضمة الإعراب ، فابتزّتها موضعها ؛ فهذا شاذّ لا يقاس عليه ؛ ألا تراك لا تقول : قدرك واسعة ، ولا عدلك ثقيل ، ولا بنتك عاقلة.
ونحو من ذلك فى الشذوذ قراءة الكسائىّ «بما أنزلّيك». وقياسه فى تخفيف الهمزة أن تجعل الهمزة بين بين فتقول : بما أنزل إليك ؛ لكنه حذف الهمزة حذفا ، وألقى حركتها على لام أنزل ، وقد كانت مفتوحة فغلبت الكسرة الفتحة على الموضع ، فصار تقديره : بما أنزلليك ، فالتقت اللامان متحركتين ، فأسكنت الأولى وادّغمت فى الثانية ؛ كقوله تعالى : (لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي) [الكهف : ٣٨].
ونحو منه ما حكاه لنا أبو علىّ عن أبى عبيدة أنه سمع : دعه فى حر امّه.
وذلك أنه نقل ضمة الهمزة ـ بعد أن حذفها ـ على الراء وهى مكسورة ، فنفى الكسرة ، وأعقب منها ضمّة.
ومنه ما حكاه أحمد بن يحيى فى خبر له مع ابن الأعرابىّ بحضرة سعيد بن سلم ، عن امرأة قالت لبنات لها وقد خلون إلى أعرابىّ كان يألفهنّ : أفى السو تنتنّه! قال أحمد بن يحيى فقال لى ابن الأعرابىّ : تعال إلى هنا ، اسمع ما تقول.
قلت : وما فى هذا! أرادت : أفى السوأة أنتنّه! فألقت فتحة (أنتن) على كسرة الهاء ، فصارت بعد تخفيف همزة السوأة : أفى السو تنتنه. فهذا نحو مما نحن بسبيله. وجميعه غير مقيس ؛ لأنه ليس على حدّ التخفيف القياسىّ ؛ ألا ترى أن طريق قياسه أن يقول : فى حر أمّه ، فيقرّ كسرة الراء عليها ، ويجعل همزة أمّه بين بين ، أى بين الهمزة والواو ؛ لأنها مضمومة ؛ كقول الله سبحانه : (يَسْتَهْزِؤُنَ) ، فيمن خفّف ، أو فى حريمه ، فيبدلها ياء البتة (على يستهزيون وهو رأى أبى الحسن) وكذلك قياس تخفيف قولها : أفى السوأة أنتنه : أفى السوءة ينتنه ، فيخلص همزة (أنتنه) ياء البتة ؛ لانفتاحها وانكسار ما قبلها ؛ كقولك فى تخفيف مئر (٢) : مير. وسنذكر شواذّ الهمز فى بابه بإذن الله.
__________________
(١) قراءة (إمه) بالكسر آية ١١ النساء. وهى قراءة حمزة والكسائى. وقال الكسائى والفراء إنها لغة هوازن وهذيل وانظر البحر (٣ / ١٩٣).
(٢) مئر : جمع المئرة. وهى العداوة والذّحل.