باب فى شواذ الهمز
وذلك فى كلامهم على ضربين ، وكلاهما غير مقيس.
أحدهما أن تقرّ الهمزة الواجب تغييرها ، فلا تغيّرها.
والآخر أن ترتجل همزا لا أصل له ، ولا قياس يعضده.
الأوّل من هذين ما حكاه عنهم أبو زيد وأبو الحسن من قولهم : غفر الله له خطائئه. وحكى أبو زيد وغيره : دريئة (١) ودرائئّ. وروينا عن قطرب : لفيئة (٢) ولفائئ. وأنشدوا :
فإنّك لا تدرى متى الموت جائئ |
|
إليك ولا ما يحدث الله فى غد |
وفيما جاء من هذه الأحرف دليل على صحّة ما يقوله النحويون دون الخليل : من أن هذه الكلم غير مقلوبة ، وأنه قد كانت التقت فيها الهمزتان ، على ما ذهبوا إليه ، لا ما رآه هو.
ومن شاذّ الهمز عندنا قراءة الكسائىّ (أئمة) بالتحقيق فيهما. فالهمزتان لا تلتقيان فى كلمة واحدة إلا أن تكونا عينين ؛ نحو سئّال وسئّار ، (وجئّار) فأما التقاؤهما على التحقيق من كلمتين فضعيف عندنا ، وليس لحنا. وذلك نحو قرأ أبوك ، و (السُّفَهاءُ أَلا) [البقرة : ١٣] و (وَيُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ) [الحج : ٦٥] ، و (أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ) [البقرة : ٣١] فهذا كله جائز عندنا على ضعفه ، لكن التقاؤهما فى كلمة واحدة غير عينيين لحن ؛ إلا ما شذّ ممّا حكيناه من خطائئ وبابه ، وقد تقدّم. وأنشدنى بعض من ينتمى إلى الفصاحة شعرا لنفسه مهموزا يقول فيه : أشأؤها وأدأؤها ، فنبّهته عليه ، فلم يكد يرجع عنه (وهذا) ممّا لو كان (همزه أصلا) لوجب تركه وإبداله ، فكيف أن يرتجل همزا لا أصل له ، ولا عذر فى إبداله من حرف لين ولا غيره.
__________________
(١) دريئة : هى الحلقة التى يتعلم الرامى الطعن والرمى عليها.
(٢) لفيئة : هى القطعة من اللحم.