باب فى حرف اللين المجهول
وذلك مدّة الإنكار ؛ نحو قولك فى جواب من قال : رأيت بكرا : أبكرنيه ، وفى جاءنى محمد : أمحمدنيه ، وفى مررت على قاسم : أقاسمنيه! وذلك أنك ألحقت مدّة الإنكار ، وهى لا محالة ساكنة ، فوافقت التنوين ساكنا ، فكسر (لالتقاء الساكنين) فوجب أن تكون المدّة ياء لتتبع الكسرة. وأىّ المدّات الثلاث كانت فإنها لا بدّ أن توجد فى اللفظ بعد كسرة التنوين ياء ؛ لأنها إن كانت فى الأصل ياء فقد كفينا النظر فى أمرها. وإن كانت ألفا أو واوا فالكسرة قبلها تقلبها إلى الياء البتّة.
فإن قيل : أفتنصّ فى هذه المدّة على حرف معيّن : الألف أو الياء أو الواو؟
قيل : لم تظهر فى شيء من الإنكار على صورة مخصوصة فيقطع بها عليها دون أختيها ، وإنما تأتى تابعة لما قبلها ؛ ألا تراك تقول فى قام عمر : أعمروه ، وفى رأيت أحمد : أأحمداه ، وفى مررت بالرجل آلرجليه ، وليست كذلك مدّة الندبة ؛ لأن تلك ألف لا محالة ، وليست مدّة مجهولة مدبّرة بما قبلها ؛ ألا تراها تفتح ما قبلها أبدا ، ما لم تحدث هناك لبسا ، ونحو ذلك ؛ نحو وا زيداه ، ولم يقولوا : وا زيدوه ، وإن كانت الدال مضمومة فى وا زيد. وكذلك واعبد الملكاه ، ووا غلام زيداه ، لمّا حذفت لها التنوين (من زيد) صادفت الدال مكسورة ففتحتها.
غير أننا نقول : إن أخلق الأحوال بها أن تكون ألفا من موضعين.
أحدهما أن الإنكار مضاه للندبة. وذلك أنه موضع أريد فيه معنى الإنكار والتعجب ، فمطل الصوت به وجعل ذلك أمارة لتناكره ؛ كما جاءت مدّة الندبة إظهارا للتفجّع ؛ وإيذانا بتناكر الخطب الفاجع ، والحدث الواقع. فكما أن مدّة الندبة ألف ، فكذلك ينبغى أن تكون مدّة الإنكار ألفا.
والآخر أن الغرض فى الموضعين جميعا إنما هو مطل الصوت ، ومدّه وتراخيه ، والإبعاد فيه لمعنى الحادث هناك. وإذا كان الأمر كذلك فالألف أحقّ به دون أختيها ؛ لأنها أمدّهنّ صوتا ، وأنداهنّ ، وأشدّهنّ إبعادا (وأنآهنّ). فأمّا مجيئها تارة