باب فى بقاء الحكم مع زوال العلة
هذا موضع ربما أوهم فساد العلّة. وهو مع التأمّل بضدّ ذلك ؛ نحو قولهم فيما أنشده أبو زيد :
حمى لا يحل الدهر إلا بإذننا |
|
ولا نسأل الأقوام عقد المياثق (١) |
ألا ترى أن فاء ميثاق ـ التى هى واو وثقت ـ انقلبت للكسرة قبلها ياء ؛ كما انقلبت فى ميزان وميعاد ؛ فكان يجب على هذا لمّا زالت الكسرة فى التكسير أن تعاود الواو فتقول على قول الجماعة : المواثيق ؛ كما تقول : الموازين ، والمواعيد.
فتركهم الياء بحالها ربما أوهم أن انقلاب هذه الواو ياء ليس للكسرة قبلها ، بل هو لأمر آخر غيرها ؛ إذ لو كان لها لوجب زواله مع زوالها. ومثل ذلك (ما أنشده) خلف الأحمر من قول الشاعر :
عدانى أن أزورك أمّ عمرو |
|
دياوين تشقّق بالمداد (٢) |
فللقائل أيضا أن يقول : لو أن ياء ديوان إنما قلبت عن واو دوّان للكسرة قبلها لعادت عند زوالها.
وكذلك للمعترض فى هذا أن يقول : لو كانت ألف باز إنما قلبت همزة فى لغة من قال : بأز ؛ لأنها جاورت الفتحة فصارت الحركة كأنها فيها ، فانقلبت همزة ؛ كما انقلبت لمّا حركت فى نحو شأبّة ودأبّة ، لكان ينبغى أن تزول الهمزة عند زوال الألف فى قولهم : بئزان ، فقد حكيت أيضا بالهمز ؛ إذ كانت الياء (إذا تحركت) لم
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو لعياض بن درّة الطائى فى لسان العرب (وثق) ، وتاج العروس (وثق) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٥٣٧ ، ونوادر أبى زيد ص ٦٥ ، وبلا نسبة فى إصلاح المنطق ص ١٣٨ ، وشرح الأشمونى ٣ / ٧١٥ ، وشرح شافية ابن الحاجب ١ / ٢١٠ ، وشرح شواهد الشافية ص ٩٥ ، وشرح المفصل ٥ / ١٢٢ ، ويروى : (بأمرنا) مكان (بإذننا) ، (عهد) مكان (عقد).
(٢) البيت من الوافر ، بلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ٢٦٤ ، وسر صناعة الإعراب ٢ / ٧٣٥ ، ولسان العرب (دون) وفيه : (تنفق) بدل (تشقق) ، والمنصف ٢ / ٣٢ ، ويروى : (أم مالك) مكان (أم عمرو).