نعم ، وإذا كانوا قد أقرّوا حكم الواحد على تكسيره مع ثقل ما صاروا إليه مراعاة لأحكامه ؛ نحو بأز وبئزان حتى شبهوه برأل ورئلان ، كان إقرار قلب الأثقل إلى الأخفّ عند التكسير أولى وأجدر ؛ ألا ترى أن الهمزة أثقل من الياء. وكذلك قولهم لياح ـ وإنما هو فعال من لاح يلوح لبياضه ـ قد راعوا فيه انقلاب عينه مع الكسرة فى (لياح) على ضعف هذا الأثر ؛ لأنه ليس بجمع (كحياض ورياض) ولا مصدر كقيام وصيام. فإقرار الحكم القوىّ الوجوب فى الواحد عند تكسيره أجدر بالجواز.
وكذلك حديث قنية وصبيان وصبية فى إقرار الياء بحالها ، مع زوال الكسرة فى صبيان وقنية. وذلك أن القلب مع الكسرة لم يكن له قوّة فى القياس ، وإنما كان مجنوحا به إلى الاستخفاف. وذلك أن الكسرة لم تل الواو ؛ ألا ترى أن بينهما حاجزا وإن كان ساكنا فإن مثله فى أكثر اللغة يحجز. وذلك نحو جرو وعلو ، وصنو ، وقنو ، ومجول ، ومقول ، و (قرواح ، وجلواخ ، وقرواش ، ودرواس) (١) وهذا كثير فاش. فلما أعلّوا فى صبية وبابه ، علم أن أقوى سببى القلب إنما هو طلب الاستخفاف ، لا متابعة الكسر مضطرّا إلى الإعلال فلمّا كان الأمر كذلك أمضوا العزمة فى ملازمة الياء ؛ لأنه لم يزل من الكسرة مؤثّر يحكم القياس له بقوّة فيدعو زواله إلى المصير إلى ضدّ الحكم الذى كان وجب به ، وليس هذا كمياثق ؛ من قبل أن القلب فى ميثاق واجب ، والقلب فى قنية وصبية ليس بواجب ، فكأن باب ميثاق أثّر فى النفس أثرا قوّى الحكم فقرّره هناك ، فلمّا زال بقى حكمه دالا على قوّة الحكم الذى كان به ، وباب صبية وعلية أقرّ حكمه مع زوال الكسرة عنه ؛ اعتذارا فى ذلك بأن الأوّل لم يكن عن وجوب لزوال ما دعا إليه ، وإنما كان استحسانا ، فليكن مع زوال الكسر أيضا استحسانا. أفلا ترى إلى اختلاف حال الأصلين فى الضعف والقوّة ، كيف صرت له بهما إلى فرع واحد ، وهو القلب. فإنه جيّد فى معناه ، ونافع فى سواه ، مما هو شرواه (٢).
__________________
(١) القرواح : الفضاء من الأرض التى ليس بها شجر ، وناقة قرواح : طويلة القوائم. والجلواخ : الوادى الواسع الممتلئ. والقرواش : الطفيلىّ والعظيم الرأس. والدّرواس : من معانيه العظيم الرأس ، الأسد.
(٢) شروى الشىء مثله ، واوه مبدلة من الياء ، لأن الشىء إنما يشرى بمثله.