باب فى توجه اللفظ الواحد إلى معنيين اثنين
وذلك فى الكلام على ضربين :
أحدهما ـ وهو الأكثر ـ أن يتفق اللفظ البتّة ، ويختلف فى تأويله. وعليه عامّة الخلاف ؛ نحو قولهم : هذا أمر لا ينادى وليده ؛ فاللفظ غير مختلف فيه ، لكن يختلف فى تفسيره.
فقال قوم : إن الإنسان يذهل عن ولده لشدّته ، فيكون هذا كقول الله تعالى : (يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ) [الحج : ٢] وقوله سبحانه : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ) [عبس : ٣٤ ، ٣٥] (والآى فى هذا المعنى كثيرة).
وقال قوم : أى هو أمر عظيم ، فإنما ينادى فيه الرجال والجلّة ، لا الإماء والصبية.
وقال آخرون : الصبيان إذا ورد الحىّ كاهن أو حوّاء أو رقّاء حشدوا عليه ، واجتمعوا له. أى ليس هذا اليوم بيوم أنس ولهو ، إنما هو يوم تجرّد ، وجدّ. وقال آخرون ـ وهم أصحاب المعانى ـ : أى لا وليد فيه فينادى (وإنما فيه الكفاة والنهضة) ومثله قوله (١) :
* على لاحب لا يهتدى بمناره*
أى لا منار فيه فيهتدى به ، وقوله أيضا :
لا تفزع الأرنب أهوالها |
|
ولا ترى الذئب بها ينجحر (٢) |
__________________
(١) أى امرئ القيس. وعجزه :
* إذا سافه العود الدّيافىّ جرجرا*
واللاحب : الطريق الواسع. وسافه : شمه ، والعود : البعير المسن. والدّيافىّ ، نسبة إلى دياف ، وهى قرية بالشام تنسب إليها النجائب. والبيت فى اللسان (سوف) وقوله : لا يهتدى بمناره يقول : ليس به منار فيهتدى به ، وإذا ساف الجمل تربته جرجر جزعا من بعده وقلة مائه.
(٢) البيت من السريع ، وهو لابن أحمر فى ديوانه ص ٦٧ ، وأمالى المرتضى ١ / ٢٢٩ ، وخزانة الأدب ١٠ / ١٩٢ ، وبلا نسبة فى خزانة الأدب ١١ / ٣١٣. ويروى : (الضب) مكان (الذئب).