باب فى الاكتفاء بالسبب من المسبب
وبالمسبب من السبب
هذا موضع من العربية شريف لطيف ، وواسع لمتأمّله كثير. وكان أبو على ـ رحمهالله ـ يستحسنه ، ويعنى به. وذكر منه مواضع قليلة. ومرّ بنا نحن منه ما لا نكاد نحصيه.
فمن ذلك قول الله تعالى : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) [النحل : ٩٨] (وتأويله) ـ والله أعلم ـ : فإذا أردت قراءة القرآن ؛ فاكتفى بالمسبّب الذى هو القراءة من السبب الذى هو الإرادة. وهذا أولى من تأوّل من ذهب إلى أنه أراد : فإذا استعذت فاقرأ ؛ لأن فيه قلبا لا ضرورة بك إليه. وأيضا فإنه ليس كل مستعيذ بالله واجبة عليه القراءة ؛ ألا ترى إلى قوله :
أعوذ بالله وبابن مصعب |
|
الفرع من قريش المهذّب (١) |
وليس أحد أوجب عليه من طريق الشرع القراءة فى هذا الموضع.
وقد يكون على ما قدّمنا قوله عزّ اسمه : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) [المائدة : ٦] أى إذا أردتم القيام لها ، والانتصاب فيها.
ونحو منه ما أنشده أبو بكر :
قد علمت إن لم أجد معينا |
|
لأخلطنّ بالخلوق طينا (٢) |
يعنى امرأته. يقول : إن لم أجد من يعيننى على سقى الإبل قامت فاستقت معى ، فوقع الطين على خلوق يديها. فاكتفى بالمسبّب الذى هو اختلاط الطين
__________________
(١) الرجز بلا نسبة فى كتاب الجيم ٣ / ٢١٦. وبعده :
* الراكبين كل طرف مثلب*
يقال : هو فرع قومه ، للشريف منهم.
(٢) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (خلق) ، وتاج العروس (خلق) ، ويروى (لتخلطن) مكان (لأخلطن). الخلوق : ضرب من الطيب.