باب فى كثرة الثقيل ، وقلة الخفيف
هذا موضع من كلامهم طريف. وذلك أنا قد أحطنا علما بأنّ الضمة أثقل من الكسرة ، وقد ترى مع ذلك إلى كثرة ما توالت فيه الضمّتان ؛ نحو طنب ، وعنق ، وفنق (١) ، وحشد ، وجمد ، وسهد ، وطنف (٢) ، وقلّة نحو إبل. وهذا موضع محتاج إلى نظر.
وعلّة ذلك عندى أن بين المفرد والجملة أشباها.
منها وقوع الجملة موقع المفرد فى الصفة ، والخبر ، والحال. فالصفة نحو مررت برجل وجهه حسن. والخبر نحو زيد قام أخوه. والحال كقولنا : مررت بزيد فرسه واقفة.
ومنها أن بعض الجمل قد تحتاج إلى جملة ثانية احتياج المفرد إلى المفرد. وذلك فى الشرط وجزائه ، والقسم وجوابه.
فالشرط نحو قولك : إن قام زيد قام عمرو. والقسم نحو قولك : أقسم ليقومنّ زيد. فحاجة الجملة الأولى إلى الجملة الثانية كحاجة الجزء الأوّل من الجملة إلى الجزء الثانى ؛ نحو زيد أخوك ، وقام أبوك.
ومنها أن المفرد قد أوقع موقع الجملة فى مواضع ؛ كنعم ، ولا ؛ لأن كل واحد من هذين الحرفين نائب عن الجملة ؛ ألا ترى إلى قولك : نعم فى موضع قد كان ذاك ، (ولا فى موضع لم يكن ذاك) وكذلك صه ، ومه ، وإيه ، وأفّ ، وأوّتاه ، وهيهات : كل واحد منها جزء مفرد وهو قائم برأسه ، وليس للضمير الذى فيه استحكام الضمير فى الفعل. (يدلّ على ذلك أنه لمّا ظهر فى بعض أحواله ظهر مخالفا للضمير فى الفعل) وذلك قول الله سبحانه : (هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ) [الحاقة : ١٩] وأنت لا تقول فى الفعل : اضربم ولا ادخلم ولا اخرجم ، ولا نحو ذلك.
__________________
(١) يقال جارية فنق : منعمة.
(٢) الطّنف : ما نتأ من الجيل ، والطّنف : السقيفة تشرع فوق باب الدار ، والطّنف : السّيور.