معنى غاية الكثرة ، فيأتى لذلك بلفظ غاية القلّة. وذلك لم يجيزوا : زيد إقبالة وإدبارة ، قياسا على زيد إقبال وإدبار. فعلى هذا لا يجوز أن يكون قولهم : تلقّامة على حدّ قولك : هذا رجل صوم. لكن الهاء فيه كالهاء فى علامة ونسّابة للمبالغة.
وإذا كان كذلك فإنه قد (كاد يفارق) مذهب الصفة ؛ ألا ترى أنّ من شرط الصفة أن تطابق موصوفها فى تذكيره ، وتأنيثه ، فوصف المذكر بالمؤنث ، ووصف المؤنث بالمذكر ليس متمكنا فى الوصف تمكّن وصف المؤنّث بالمؤنّث ، والمذكّر بالمذكّر.
فقولك إذا : هذا رجل عليم أمكن فى الوصف من قولك : هذا رجل علامة ؛ كما أن قولك : مررت بامرأة كافرة أمكن فى الوصف من قولك : مررت بامرأة كفور.
وإذا كان كذلك جرى تلقّامة من قولك (مررت برجل) تلقّامة نحوا من مجرى مررت بنسوة أربع ، فى أن أربعا ليس بوصف متمكّن (ولذلك صرفته) ، وإن كان (صفة وصف) على أفعل. فكأنّ تلقّامة بعد ذلك كله اسم لا صفة ، وإذا كان اسما أو كالاسم سقط الاعتذار منه ؛ لأن سيبويه قد ذكر فى المصادر تفعّلت تفعالا ، فإذا ذكره أغنى عن ذكره فى الأبنية ، ولم يجز لقائل أن يذكره مثالا معتدّا عليه.
كما أن ترعاية (١) فى الصفات تسقط عنه أيضا من هذا الوجه ؛ ألا تراه صفة مؤنّثة جرت على موصوف مذكّر ، فأوحش ذلك منها فى الوصف ، وجرى لذلك مجرى : مررت برجال أربعة ، فى أن أربعة ليس وصفا محضا ، وإنما هو اسم عدد بمنزلة نسوة أربع ؛ كما أن ربعة لمّا لم يخصّ المؤنّث دون المذكّر جرى لذلك مجرى الاسم ، فلذلك قالوا فى جمعه : ربعات ، فحرّكوا كما يحرّكون فى الاسم نحو قصعات.
و (إذا كان كذلك سقط عنه أيضا أن لم يذكر تفعالا فى الصفة. و) كذلك ما حكاه الأصمعىّ من قولهم ؛ ناقة تضرّاب (٢) ؛ لأنها لمّا كانت صفة مذكّرة جارية على مؤنّث لم تستحكم فى الصفة.
__________________
(١) يقال : رجل ترعاية إذا كان يصلح المال على يده ويجيد رعية الإبل. بضم التاء وكسرها.
(٢) يقال : ناقة تضراب أى ضربها الفحل ، وضرب الجمل الناقة يضربها إذا نزا عليها.