أن يكون بين هاتين الحالين السنة والسنتان.
فإن قلت ، فلعل هذا مما اكتفى فيه بذكر السبب ـ وهو الاختلال ـ من ذكر المسبّب عنه ، وهو المعرفة بذلك ، فيصير كأنه قال : لما عرفت اختلال حاله عمرتها.
قيل : لو كان الأمر على ذلك لما عدوت ما كنا عليه ؛ ألا ترى أنه قد يعرف ذلك من حال صاحبه ، وهو معه فى بلد واحد (بل منزل واحد) فيكون بين المعرفة بذلك والتغيير له الشهر والشهران والأكثر. فكيف بمن بينه وبينه الشقّة الشاسعة ، المحتاجة إلى المدّة المتراخية. فإن قيل : فيكون الثانى من هذا كالأوّل أيضا فى الاكتفاء فيه بالمسبّب من السبب ، أى لمّا عرفت ذلك فكّرت فى إصلاحه ، فاكتفى بالمسبّب الذى هو العمارة من السبب الذى هو الفكر فيه ، قيل : هذا وإن كان مثله مما يجوز فإنه ترك للظاهر ، وإبعاد فى المتناول. ومع هذا فإنك كيف تصرّفت بك الحال إنما أوقعت الفكر فى عمارة حاله بعد أن عرفت ذلك منها. فوقعت العمارة إذا بعد وقت المعرفة. فإذا كان كذلك ركبت سمت الظاهر ، فغنيت به عن التطالّ والتطاول.
وعلى هذا يتوجّه عندى قول الله ـ سبحانه ـ : (وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) [الزخرف : ٣٩] وذلك أن تجعل (إذ) بدلا من قوله (اليوم) ، وإلا بقيت بلا ناصب. وجاز إبدال (إذا) ـ وهو ماض (فى الدنيا) ـ من قوله : (اليوم) وهو حينئذ حاضر فى الآخرة ، لمّا كان عدم الانتفاع بالاشتراك فى العذاب إنما هو مسبّب عن الظلم ، وكانت أيضا الآخرة تلى الدنيا بلا وقفة ولا فصل ، صار الوقتان على تباينهما (وتنائيهما) كالوقتين المقترنين ، الدانيين المتلاصقين ؛ نحو أحسنت إليه إذ شكرنى ، وأعطيته حين سألنى. وهذا أمر استقرّ بينى وبين أبى علىّ ـ رحمهالله ـ مع المباحثة. وقد يجوز أيضا أن تنصب (اليوم) بما دلّ عليه قوله تعالى : (مُشْتَرِكُونَ) فيصير معناه لا إعرابه : ولن ينفعكم إذ ظلمتم اشتراككم اليوم فى العذاب ، فينتزع من معنى (مشتركون) ما يعمل فى (اليوم) على حدّ قولنا فى قوله ـ سبحانه ـ (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) [هود : ٨] فى أحد الأقوال الثلاثة فيه ، وعلى قوله تعالى : (يَوْمَ (١) يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ
__________________
(١) وفى البحر لأبى حيان (٦ / ٤٩٢) : (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ) منصوب باذكر وهو أقرب ، أو ـ ـ