لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ) [الفرقان : ٢٢] وإذا أنت فعلت هذا أيضا لم تخرج به من أن يكون (إذ ظلمتم) فى اللفظ معمولا لقوله (لن ينفعكم) لما ذكرنا من الجوار ، وتلوّ الآخرة الأولى بلا فصل.
وكأنه إنما جاء هذا النحو فى الأزمنة دون الأمكنة ، من حيث كان كلّ جزء من الزمان لا يجتمع مع جزء آخر منه ، إنما يلى الثانى الأوّل خالفا له ، وعوضا منه.
ولهذا قيل ـ عندى ـ للدهر عوض ـ وقد ذكرت هذا فى كتابى فى التعاقب ـ فصار الوقتان كأنهما واحد ، وليس كذلك المكان ؛ لأن المكانين يوجدان فى الوقت الواحد (بل فى أوقات كثيرة غير منقضية. فلمّا كان المكانان بل الأمكنة كلها تجتمع فى الوقت الواحد) والأوقات كلها ، لم يقم بعضها مقام بعض ولم يجر مجراه.
فلهذا لا نقول : جلست فى البيت من خارج أسكفّته ، وإن كان ذلك موضعا يجاور البيت ويماسّه ؛ لأن البيت لا يعدم فيكون خارج بابه نائبا عنه ، وخالفا فى الوجود له ؛ كما يعدم الوقت فيعوّض منه ما بعده.
فإن قلت : فقد تقول : سرت من بغداد إلى البصرة نهر الدير ، قيل : ليس هذا من حديث الجوار فى شيء ، وإنما هو من باب بدل البعض ؛ لأنه بعض طريق البصرة ؛ يدلّ على ذلك أنك لا تقول : سرت من بغداد إلى البصرة (نهر الأمير ؛ لأنه أطول من طريق البصرة) زائد عليه ، والبدل لا يجوز إذا كان (الثانى أكثر من الأوّل ، كما يجوز إذا كان) الأوّل أكثر من الثانى ؛ ألا ترى أنهم لم يجيزوا أن يكون (ربع) من قوله :
اعتاد قلبك من سلمى عوائده |
|
وهاج أهواءك المكنونة الطلل |
ربع قواء أذاع المعصرات به |
|
وكلّ حيران سار ماؤه خضل(١) |
__________________
بفعل يدل عليه (لا بشرى) أى يمنعون البشرى ، ولا يعمل فيه (لا بشرى) لأنه مصدر ، ولأنه منفىّ بلا التى لنفى الجنس ؛ لأنه لا يعمل ما بعدها فيما قبلها. وكذا الداخلة على الأسماء عاملة عمل ليس.
(١) البيتان من البسيط فى شرح أبيات سيبويه ١ / ٣٩١ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٩٢٤ ، والكتاب ١ / ٢٨١ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٦٠١ ، ولسان العرب (ذيع) ، وتاج العروس (ذيع). القواء : القفر.