أصحابنا : اعلم أن حكم الجزء المستفاد من الجملة أن يكون منكورا ، والمفاد هو الفعل لا الفاعل. ولذلك لو أخبر بما لا شكّ فيه لعجب منه وهزئ (من قوله).
فلمّا كان كذلك لم يجز تعريف ما وضعه على التنكير ؛ ألا تراه يجرى وصفا على النكرة (وذلك) نحو مررت برجل يقرأ ، فهذا كقولك : قارئ ، ولو كان معرفة لاستحال جريه وصفا على النكرة.
ومن ذلك امتناعهم من إلحاق «من» بأفعل إذا عرّفته باللام ؛ نحو الأحسن منه ، والأطول منه. وذلك أنّ (من) ـ لعمرى ـ تكسب ما يتصل به : من أفعل هذا تخصيصا ما ؛ ألا تراك لو قلت : دخلت البصرة فرأيت أفضل من ابن سيرين لم يسبق الوهم إلا إلى الحسن رضى الله عنه (فبمن ما صحّت لك) هذه الفائدة ، وإذا قلت : الأحسن أو الأفضل أو نحو ذلك فقد استوعبت اللام من التعريف أكثر مما تفيده (من) من حصّتها من التخصيص ، فكرهوا أن يتراجعوا بعد ما حكموا به من قوّة التعريف إلى الاعتراف بضعفه ، إذا هم أتبعوه من الدالة على حاجته إليها ، وإلى قدر ما تفيده : من التخصيص المفاد منه.
فأمّا ما ظنّ أبو عثمان الجاحظ من أنه يدخل على قول أصحابنا (فى هذا من قول الشاعر) :
فلست بالأكثر منهم حصى |
|
وإنما العزّة للكاثر (١) |
فساقط عنهم. وذلك أن (من) هذه ليست هى التى تصحب (أفعل) هذا لتخصيصه ، فيكون ما رامه أبو عثمان من جمعها مع لام التعريف. وذلك لأنها إنما هى حال من تاء (لست) ؛ كقولك : لست فيهم بالكثير مالا ، وما أنت منهم بالحسن وجها ، أى لست من بينهم وفى جملتهم بهذه الصفة ؛ كقولك : أنت والله
__________________
(١) البيت من السريع ، وهو للأعشى فى ديوانه ص ١٩٣ ، والاشتقاق ص ٦٥ ، وأوضح المسالك ٣ / ٢٩٥ ، وخزانة الأدب ١ / ١٨٥ ، ٣ / ٤٠٠ ، ٨ / ٢٥٠ ، ٢٥٤ ، وشرح التصريح ٢ / ١٠٤ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٣٥١ ، وشرح شواهد المغنى ٢ / ٩٠٢ ، وشرح المفصل ٦ / ١٠٠ ، ١٠٣ ، ولسان العرب (كثر) ، (سدف) ، (حصى) ، ومغنى اللبيب ٢ / ٥٧٢ ، والمقاصد النحوية ٤ / ٣٨ ، ونوادر أبى زيد ص ٢٥ ، وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ٤٢٢ ، وخزانة الأدب ٢ / ١١ ، وشرح الأشمونى ٢ / ٣٨٦ ، وشرح ابن عقيل ص ٤٦٥ ، وشرح المفصل ٣ / ٦.