كان مثله. فإذا بالغوا وتناهوا منعوه التصرّف ، فقالوا : نعم الرجل ، وبئس الغلام ، فلم يصرّفوهما ، وجعلوا ترك التصرّف فى الفعل الذى هو أصله وأخصّ الكلام به أمارة للأمر الحادث له ، وأن حكما من أحكام المبالغة قد طرأ عليه ؛ كما تركوا لذلك أيضا تأنيثه دليلا عليه فى نحو قولهم : نعم المرأة ، وبئس الجارية.
فإن قلت : فما بالهم منعوا هذين الفعلين التصرّف البتّة ، ولم يمنعوهما علم التأنيث البتّة ؛ ألا تراك أيضا قد تقول : نعمت المرأة ، وبئست الجارية ، وأنت لا تصرّف واحدا منهما على وجه؟
قيل : إنما حظروا عليهما ما هو أخصّ الأوصاف بهما ـ أعنى التصرّف ـ ليكون حظره عليهما أدلّ شيء على حدوث عائق لهما ، وليست كذلك علامة التأنيث ، لأن الفعل لم يكن فى القياس تأنيثه ؛ ألا تراه مفيدا للمصدر الدالّ على الجنس ، والجنس أسبق شيء إلى التذكير ، وإنما دخل علم التأنيث فى نحو قامت هند ، وانطلقت جمل لتأنيث فاعله ، ولو كان تأنيث الفعل لشيء يرجع إليه هو لا إلى فاعله لجاز قامت زيد ، وانطلقت جعفر. فلأجل ذلك ما اعتزموا الدلالة على خروج هذين الفعلين إلى معنى المبالغة بترك تصرّفهما الذى هو أقعد من غيره فيهما ، دون الاقتصار على ترك تأنيثهما ؛ إذ التأنيث فيهما ليس فى الأصل مستحقّا لهما ، ولا راجعا إليهما ؛ وإنما هو مراعى به تأنيث فاعليهما. ويؤكّد ذلك عندك ما رواه الأصمعىّ عنهم من قوله : إذا فاق الشىء فى بابه سمّوه خارجيّا ؛ وأنشد بيت طفيل الغنوىّ :
وعارضتها رهوا على متتابع |
|
شديد القصيرى خارجىّ محنّب (١) |
فقولهم فى هذا المعنى : خارجىّ ، واستعمالهم فيه لفظ خرج ، من أوثق ما يستدلّ به على هذا المعنى ، وهو الغاية فيه. فاعرفه واشدد يدك به.
* * *
__________________
(١) البيت من الطويل وهو لطفيل الغنوى فى ديوانه ص ٢٦ ، ولسان العرب (خرج) ، ومقاييس اللغة ٤ / ٢٧٢ ، وكتاب الجيم ٢ / ٢٤ ، وتاج العروس (خرج) ، (عرض).