باب فيما يؤمنه علم العربية من الاعتقادات الدينية
اعلم أن هذا الباب من أشرف أبواب هذا الكتاب ، وأن الانتفاع به ليس إلى غاية ، ولا وراءه من نهاية. وذلك أن أكثر من ضلّ من أهل الشريعة عن القصد فيها ، وحاد عن الطريقة المثلى إليها ، فإنما استهواه (واستخفّ حلمه) ضعفه فى هذه اللغة الكريمة الشريفة ، التى خوطب الكافّة بها ، وعرضت عليها الجنة والنار من حواشيها وأحنائها ، وأصل اعتقاد التشبيه لله تعالى بخلقه منها ، وجاز عليهم بها وعنها. وذلك أنهم لمّا سمعوا قول الله ـ سبحانه ، وعلا عما يقول الجاهلون علوّا كبيرا ـ (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) [الزمر : ٣٩] وقوله تعالى (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) [البقرة : ١١٥] وقوله : (لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ) [ص : ٧٥] وقوله تعالى : (مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا) [يس : ٧١] وقوله : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) [الرحمن : ٢٧] وقوله : (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) [طه : ٣٩] وقوله : (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) [الزمر : ٦٧] ونحو ذلك من الآيات الجارية هذا المجرى ، وقوله فى الحديث : «خلق الله آدم على صورته» (١) ، حتى ذهب بعض هؤلاء الجهّال فى قوله تعالى : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) [القلم : ٤٢] أنها ساق ربهم ـ ونعوذ بالله من ضعفة النظر ، وفساد المعتبر ـ ولم يشكّوا أن هذه أعضاء له ، وإذا كانت أعضاء كان هو لا محالة جسما معضّى (٢) ؛ على ما يشاهدون من خلقه ، عزّ وجهه ، وعلا قدره ، وانحطّت سوامى (الأقدار و) الأفكار دونه. ولو كان لهم أنس بهذه اللغة الشريفة أو تصرّف فيها ، أو مزاولة لها ، لحمتهم السعادة بها ، ما أصارتهم الشقوة إليه ، بالبعد عنها.
وسنقول فى هذا ونحوه ما يجب فى مثله. ولذلك ما قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لرجل لحن : «أرشدوا أخاكم فإنه قد ضلّ» ، فسمّى اللحن ضلالا ؛ وقال عليهالسلام : «رحم الله امرأ أصلح من لسانه» (٣) ، وذلك لما (علمه صلىاللهعليهوسلم مما يعقب) الجهل لذلك
__________________
(١) أخرجه البخارى فى «أحاديث الأنبياء» (ح ٣٣٢٦) ، ومسلم فى «الاستئذان» (ح ٢٨٤١).
(٢) يقال : عضّيت الشاة والجزور تعضية إذا جعلتها أعضاء وقسمتها.
(٣) ذكره العجلونى فى «كشف الخفاء» (١٣٦٨) ، وقال : «رواه ابن عدى والخطيب عن عمر ، وابن عساكر عن أنس ، ... وقال ابن الغرس : قال شيخنا : حديث ضعيف».