من ضدّ السداد ، وزيغ الاعتقاد.
وطريق ذلك أن هذه اللغة أكثرها جار على المجاز ، وقلّما يخرج الشىء منها على الحقيقة. وقد قدّمنا ذكر ذلك فى كتابنا هذا وفى غيره. فلمّا كانت كذلك ، وكان القوم الذين خوطبوا بها أعرف الناس بسعة مذاهبها ، وانتشار أنحائها ، جرى خطابهم بها مجرى ما يألفونه ، ويعتادونه منها ، وفهموا أغراض المخاطب لهم بها على حسب عرفهم ، وعادتهم فى استعمالها. وذلك أنهم يقولون : هذا الأمر يصغر فى جنب هذا ، أى بالإضافة إليه ، و (قرنه به). فكذلك قوله تعالى : (يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) (أى فيما يبنى وبين الله) إذا أضفت تفريطى إلى أمره لى ونهيه إياى. وإذا كان أصله اتساعا جرى بعضه مجرى بعض.
وكذلك قوله صلىاللهعليهوسلم : كلّ الصيد فى جنب الفرأ (١) ، (وجوف القرأ) ، أى (كأنه يصغر) بالإضافة إليه وإذا قيس به.
وكذلك قوله ـ سبحانه ـ : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) [البقرة : ١١٥] ، إنما هو الاتجاه (إلى الله) ، ألا ترى إلى بيت الكتاب :
أستغفر الله ذنبا لست محصيه |
|
ربّ العباد إليه الوجه والعمل (٢) |
أى الاتجاه. فإن شئت قلت : إن الوجه هنا مصدر محذوف الزيادة ، كأنه وضع الفعل موضع الافتعال ، كوحده ، وقيد الأوابد (ـ فى أحد القولين ـ) ونحوهما.
وإن شئت قلت : خرج مخرج الاستعارة. وذلك أن وجه الشىء أبدا هو أكرمه
__________________
(١) المصدر السابق (١٦٧٧) ، وقال : «رواه الرامهرمزى فى الأمثال عن نصر بن عاصم الليثى ... وسنده جيد ، لكنه مرسل ، ونحوه عند العسكرى ، وقال «فى جوف أو جنب». الفرأ : حمار الوحش.
(٢) البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة فى أدب الكاتب ص ٥٢٤ ، والأشباه والنظائر ٤ / ١٦ ، وأوضح المسالك ٢ / ٢٨٣ ، وتخليص الشواهد ص ٤٠٥ ، وخزانة الأدب ٣ / ١١١ ، ٩ / ١٢٤ ، والدرر ٥ / ١٨٦ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٤٢٠ ، وشرح التصريح ١ / ٣٩٤ ، وشرح شذور الذهب ص ٤٧٩ ، وشرح المفصل ٧ / ٦٣ ، ٨ / ٥١ ؛ والصاحبى فى فقه اللغة ص ١٨١ ، والكتاب ١ / ٣٧ ، ولسان العرب (غفر) ، والمقاصد النحوية ٣ / ٢٢٦ ، والمقتضب ٢ / ٣٢١ ، وهمع الهوامع ٢ / ٨٢.