فإنه وجه آخر ، وطريق من طرق الشدّة غير ما تقدّم. وإنما الغرض فيه أن الرّوع قد بزّ العقيلة ـ وهى المرأة الكريمة ـ حياءها ، حتى أبدت عن ساقها ؛ للحيرة والهرب ؛ كقول الآخر :
لمّا رأيت نساءنا |
|
يفحصن بالمعزاء شدّا |
وبدت محاسنها التى |
|
تخفى وكان الأمر جدّا (١) |
وقوله :
إذا أبرز الروع الكعاب فإنهم |
|
مصاد لمن يأوى إليهم ومعقل (٢) |
وهو باب. وضدّه ما أنشده أبو الحسن :
ارفعن أذيال الحقىّ واربعن |
|
مشى حييّات كأن لم يفزعن |
إن تمنع اليوم نساء تمنعن (٣) |
وأذكر يوما وقد خطر لى خاطر مما نحن بسبيله ، فقلت : لو أقام إنسان على خدمة هذا العلم ستّين سنة حتى لا يحظى منه إلا بهذا الموضع لما كان مغبونا فيه ، ولا منتقص الحظّ منه ، ولا السعادة به. وذلك قول الله ـ عزّ اسمه ـ : (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) [الكهف : ٢٨] ولن يخلو (أغفلنا) هنا من أن يكون من باب أفعلت الشىء أى صادفته ووافقته كذلك ؛ كقوله :
__________________
الخدام : جمع الخدمة ، وهى الخلخال ، وقد تسمى الساق خدمة حملا على الخلخال لكونها موضعه .. وعدّى تبدى بعن لأنّ فيه معنى تكشف. اللسان (خدم).
(١) البيتان من مجزوء الكامل ، وهو لعمرو بن معد يكرب فى ديوانه ص ٨٢. المعزاء : الأرض الصلبة. الشدّ : العدو.
(٢) البيت من الطويل ، وهو لأوس بن حجر فى ديوانه ص ٩٥ ، وبلا نسبة فى لسان العرب (مصد) ، وجمهرة اللغة ص ٦٥٧ ، ومقاييس اللغة ٥ / ٣٢٩ ، ومجمل اللغة ٤ / ٣٣١ ، وتاج العروس (مصد). الكعاب : التى نهد ثديها ، والمصاد : أعلى الجبل.
(٣) الرجز بلا نسبة فى لسان العرب (حلق) ، وجمهرة اللغة ص ٥٦٢ ، وروايته :
رخين أذيال الحقىّ وارتعن |
|
مشى حميّات كأن لم يفزعن |
إن يمنع اليوم نساء تمنعن |