برار كفجار.
ومنه قولهم : أهلك والليل ؛ فإذا فسّروه قالوا : أراد : الحق أهلك قبل الليل.
وهذا ـ لعمرى ـ تفسير المعنى لا تقدير الإعراب ؛ فإنه على : الحق أهلك وسابق الليل.
ومنه ما حكاه الفرّاء من قولهم : معى عشرة فأحدهنّ ، أى اجعلهنّ أحد عشر.
وهذا تفسير المعنى ، أى أتبعهنّ ما يليهنّ (وهو) من حدوث الشىء إذا جئت بعده.
وأما اللفظ فإنه من (وح د) ؛ لأن أصل أحد وحد ؛ ألا ترى إلى قول النابغة :
كأنّ رحلى وقد زال النهار بنا |
|
بذى الجليل على مستأنس وحد (١) |
أى منفرد ، وكذلك الواحد إنما هو منفرد. وقلب هذه الواو المفتوحة المنفردة شاذّ ومذكور فى التصريف. وقال لى أبو علىّ ـ رحمهالله ـ بحلب سنة ست وأربعين : إن الهمزة فى قولهم : ما بها أحد ونحو ذلك مما أحد فيه للعموم ليست بدلا من واو ؛ بل هى أصل فى موضعها. قال : وذلك أنه ليس من معنى أحد فى قولنا : أحد عشر ، وأحد وعشرون. قال : لأن الغرض فى هذه الانفراد ، والذى هو نصف الاثنين ؛ قال : وأ ما أحد فى نحو قولنا : ما بها أحد ، وديّار ، فإنما هى للإحاطة والعموم. (والمعنيان) ـ كما ترى ـ مختلفان. هكذا قال ؛ وهو الظاهر.
ومنه قول المفسرين فى قول الله تعالى : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) [الصف : ١٤] أى مع الله ، ليس أنّ (إلى) فى اللغة بمعنى مع ؛ ألا تراك لا تقول : سرت إلى زيد ، وأنت تريد : سرت مع زيد ، هذا لا يعرف فى كلامهم. وإنما جاز هذا التفسير فى هذا الموضع ؛ لأن النبىّ إذا كان له أنصار فقد انضمّوا فى نصرته إلى الله ، فكأنه قال : من أنصارى منضمّين إلى الله ؛ كما تقول : زيد إلى خير ، وإلى دعة وستر ، أى آو إلى هذه الأشياء ومنضمّ إليها. فإذا انضمّ إلى الله فهو معه لا محالة. فعلى هذا فسّر المفسرون هذا الموضع.
__________________
(١) البيت من البسيط ، وهو للنابغة الذبيانى فى ديوانه ص ١٧ ، والأزهية ص ٢٨٥ ، وخزانة الأدب ٣ / ١٨٧ ، وشرح المفصل ٦ / ١٦ ، ولسان العرب (وحد) ، (نهر) ، (أنس) ، (زول). ذو الجليل : موضع. أى على ثور وحشىّ أحسّ بما رابه فهو يستأنس أى يتبصّر ويتلفّت هل يرى أحدا ، أراد أنه مذعور فهو أجدّ لعدوه وسرعته. اللسان (أنس).