باب فى قوة اللفظ لقوة المعنى
هذا فصل من العربية حسن. منه قولهم : خشن واخشوشن. فمعنى خشن دون معنى اخشوشن ؛ لما فيه من تكرير العين وزيادة الواو. ومنه قول عمر رضى الله عنه : اخشوشنوا وتمعددوا : أى اصلبوا وتناهوا فى الخشنة. وكذلك قولهم : أعشب المكان ، فإذا أرادوا كثرة العشب فيه قالوا : اعشوشب. ومثله حلا واحلولى ، وخلق واخلولق ، وغدن (١) واغدودن. ومثله باب فعل وافتعل ؛ نحو قدر واقتدر. فاقتدر أقوى معنى من قولهم : قدر. كذلك قال أبو العباس وهو محض القياس ؛ قال الله سبحانه : (أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ) [القمر : ٤٢] ؛ فمقتدر هنا أوفق من قادر ؛ من حيث كان الموضع لتفخيم الأمر وشدّة الأخذ. وعليه ـ عندى ـ قول الله ـ عزوجل ـ : (لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ) [البقرة : ٢٨٦] وتأويل ذلك أن كسب الحسنة بالإضافة إلى اكتساب السيئة أمر يسير ومستصغر. وذلك لقوله ـ عزّ اسمه ـ : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) [الأنعام : ١٦٠] ؛ أفلا ترى أن الحسنة تصغر بإضافتها إلى جزائها ، صغر الواحد إلى العشرة ، ولمّا كان جزاء السيئة إنما هو بمثلها ، لم تحتقر إلى الجزاء عنها ، فعلم بذلك قوّة فعل السيّئة على فعل الحسنة ؛ ولذلك قال ـ تبارك وتعالى ـ : (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا* أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً) [مريم : ٩٠ ، ٩١] فإذا كان فعل السيئة ذاهبا بصاحبه إلى هذه الغاية البعيدة المترامية ، عظّم قدرها ، وفخّم لفظ العبارة عنها ، فقيل : لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت. فزيد فى لفظ فعل السيئة ، وانتقص من لفظ فعل الحسنة ؛ لما ذكرنا.
ومثله سواء بيت الكتاب :
أنا اقتسمنا خطّتينا بيننا |
|
فحملت برة واحتملت فجار (٢) |
فعبّر عن البرّ بالحمل ، وعن الفجرة بالاحتمال. (وهذا) هو ما قلناه فى قوله ـ
__________________
(١) الغدن : اللين.
(٢) سبق تخريجه.