فإنه لاحق بالصفة فى إفادة معنى الكثرة ؛ ألا تراه موضوعا لكثرة الاختطاف به.
وكذلك سكّين ، إنما هو موضوع لكثرة تسكين الذابح به. وكذلك البزّار والعطار والقصّار ونحو ذلك ؛ إنما هى لكثرة تعاطى هذه الأشياء وإن لم تكن مأخوذة من الفعل. وكذلك النسّاف لهذا الطائر ، كأنه قيل له ذلك ؛ لكثرة نسفه بجناحيه.
وكذلك الخضّارى للطائر أيضا ؛ كأنه قيل له ذلك لكثرة خضرته ، والحوّارى لقوّة حوره وهو بياضه. وكذلك الزمّل (١) والزمّيل والزمّال ، إنما كررت عينه لقوّة حاجته إلى أن يكون تابعا وزميلا. وهو باب منقاد.
ونحو من تكثير اللفظ لتكثير المعنى العدول عن معتاد حاله. وذلك فعال فى معنى فعيل ؛ نحو طوال ؛ فهو أبلغ (معنى من) طويل ، وعراض ؛ فإنه أبلغ (معنى من) عريض. وكذلك خفاف من خفيف ، وقلال من قليل ، وسراع من سريع.
ففعال ـ لعمرى ـ وإن كانت أخت فعيل فى باب الصفة ، فإن فعيلا أخصّ بالباب من فعال ؛ ألا تراه أشدّ انقيادا منه ؛ تقول : جميل ولا تقول : جمال ، وبطىء ولا تقول : بطاء ، وشديد ولا تقول : شداد (ولحم غريض ولا يقال غراض). فلمّا كانت فعيل هى الباب المطّرد وأريدت المبالغة ، عدلت إلى فعال. فضارعت فعال بذلك فعّالا. والمعنى الجامع بينهما خروج كل واحد منهما عن أصله. أما فعّال فبالزيادة ، وأمّا فعال فبالانحراف به عن فعيل.
وبعد فإذا كانت الألفاظ أدلة المعانى ، ثم زيد فيها شيء ، أوجبت القسمة له زيادة المعنى به. وكذلك إن انحرف به عن سمته (وهديته) كان ذلك دليلا على حادث متجدّد له. وأكثر ذلك أن يكون ما حدث له زائدا فيه ، لا متنقصا منه ؛ ألا ترى أن كل واحد من مثالى التحقير والتكسير عارضان للواحد ، إلا أن أقوى التغييرين هو ما عرض لمثال التكسير. وذلك أنه أمر عرض للإخراج عن الواحد والزيادة فى العدّة ، فكان أقوى من التحقير ؛ لأنه مبق للواحد على إفراده. ولذلك لم يعتدّ التحقير سببا مانعا من الصرف ، كما اعتدّ التكسير مانعا منه ؛ ألا تراك تصرف دريهما ودنينيرا ، ولا تصرف دراهم ولا دنانير ؛ لما ذكرنا. ومن هنا حمل
__________________
(١) الزّمّل والزّمّيل والرّمّال : الضعيف الجبان الرّذل.