باب فى الاستخلاص من الأعلام معانى الأوصاف
من ذلك ما أنشدناه أبو على ـ رحمهالله ـ من قول الشاعر :
أنا أبو المنهال بعض الأحيان |
|
ليس علىّ حسبى بضؤلان (١) |
أنشدنيه ـ رحمهالله ـ ونحن فى دار الملك. وسألنى عما يتعلّق به الظرف الذى هو (بعض الأحيان) فخضنا فيه إلى أن برد فى اليد من جهته أنه يحتمل أمرين :
أحدهما : أن يكون أراد : أنا مثل أبى المنهال ، فيعمل فى الظرف على هذا معنى التشبيه ، أى أشبه أبا المنهال فى بعض الأحيان. والآخر أن يكون قد عرف من أبى المنهال هذا الغناء والنجدة ، فإذا ذكر فكأنه قد ذكرا ، فيصير معناه إلى أنه كأنه قال : أنا المغنى فى بعض الأحيان ، أو أنا النجد فى بعض تلك الأوقات.
أفلا تراك كيف انتزعت من العلم الذى هو (أبو المنهال) معنى الصفة والفعلية.
ومنه قولهم فى الخبر. إنما سمّيت هانئا لنهنأ (٢). وعليه جاء نابغة ؛ لأنه نبغ فسمّى بذلك. فهذا ـ لعمرى ـ صفة غلبت ، فبقى عليها بعد التسمية بها بعض ما كانت تفيده من معنى الفعل من قبل. وعليه مذهب الكتاب فى ترك صرف أحمر إذا سمّى به ، ثم نكّر. وقد ذكرنا ذلك فى غير موضع (إلا أنك) على الأحوال قد انتزعت من العلم معنى الصفة. وقد مرّ بهذا الموضع الطائىّ الكبير ، فأحسن فيه ، واستوفى معناه ، فقال :
فلا تحسبا هندا لها الغدر وحدها |
|
سجيّة نفس كلّ غانية هند |
فقوله : (كلّ غانية هند) متناه فى معناه ، وآخذ لأقصى مداه ؛ ألا (ترى أنه) كأنه قال : كلّ غانية غادرة أو قاطعة (أو خائنة) أو نحو ذلك.
__________________
(١) الرجز لأبى المنهال فى لسان العرب (أين) ، وتاج العروس (أين) ، ولبعض بنى أسد فى تهذيب اللغة ١٢ / ٦٥ ، والدرر ٥ / ٣١٠ ، وشرح شواهد المغنى ٣ / ٨٤٣ ، ومغنى اللبيب ٢ / ٤٣٤ ، وهمع الهوامع ٢ / ١٠٧ ، ولسان العرب (ضأل). ضؤلان : أى ضئيل. اللسان (ضأل).
(٢) يقال : هنأه يهنؤه ويهنئه هنأ ، وأهنأه : أعطاه. لتهنأ ، أى لتعطى. اللسان (هنأ).