باب فى أغلاط العرب
كان أبو علىّ ـ رحمهالله ـ يرى وجه ذلك ، ويقول : إنما دخل هذا النحو فى كلامهم ؛ لأنهم ليست لهم أصول يراجعونها ، ولا قوانين يعتصمون بها. وإنما تهجم بهم طباعهم على ما ينطقون به ؛ فربما استهواهم الشىء فزاغوا به عن القصد. هذا معنى قوله وإن لم يكن صريح لفظه.
فمن ذلك ما أنشده أحمد بن يحيى :
غدا مالك يرمى نسائى كأنما |
|
نسائى لسهمى مالك غرضان |
فيا ربّ فاترك لى جهينة أعصرا |
|
فمالك موت بالقضاء دهانى (١) |
هذا رجل مات نساؤه فشيئا ، فتظلّم من ملك الموت عليهالسلام. وحقيقة لفظه غلط وفساد. وذلك أن هذا الأعرابىّ لمّا سمعهم يقولون : ملك الموت ، وكثر ذلك فى الكلام ، سبق إليه أن هذه اللفظة مركبة من ظاهر لفظها ؛ فصارت عنده كأنها فعل ؛ لأنّ ملكا فى اللفظ (على صورة) فلك ، فبنى منها فاعلا ، فقال : مالك موت ، وغدا مالك فصار فى ظاهر لفظه كأنه فاعل ، وإنما مالك هنا على الحقيقة والتحصيل مافل ؛ كما أن ملكا على التحقيق مفل ، وأصله ملأك ، فألزمت همزته التخفيف ، فصار ملكا. واللام فيه فاء ، والهمزة عين ، والكاف لام ، هذا أصل تركيبه ، وهو (ل أك) وعليه تصرّفه ، ومجىء الفعل (منه فى الأمر الأكثر) قال :
ألكنى إليها وخير الرسو |
|
ل أعلمهم بنواحى الخبر (٢) |
__________________
(١) البيتان من الطويل ، وهما بلا نسبة فى لسان العرب (لأك) ، (ملك) ، (جهم) ، وتاج العروس (جهم). ويروى البيت الأول منهما : يبغى بدلا من يرمى. ويروى البيت الآخر : عمّر بدلا من فاترك ، بالفراق بدلا من بالقضاء.
(٢) البيت من المتقارب ، وهو لأبى ذؤيب الهذلى فى شرح أشعار الهذليين ص ١١٣ ، ولسان العرب (لوك) ، (رسل) ، والمخصص ١٢ / ٢٢٥ ، وبلا نسبة فى لسان العرب (ألك) ، (نحا) ، وتاج العروس (ألك).