فقلت له : عافاك الله! إنما هو نمشّ : أى نمسح ، ومنه سمّى منديل الغمر مشوشا ، وأنشد للمخبّل السعدىّ :
وإذا ألمّ خيالها طرقت |
|
عينى فماء شئونها سجم (١) |
فقلت : عافاك الله! إنما هو طرفت ، وأنشد للأعشى :
ساعة أكبر النهار كما ش |
|
دّ محيل لبونه اعتاما (٢) |
فقلت : عافاك الله! إنما هو مخيل بالخاء المعجمة (وهو الذى) رأى خال السحابة ، فأشفق منها على بهمه فشدّها.
وأمّا ما تعقب به أبو العبّاس محمد بن يزيد كتاب سيبويه فى المواضع التى سمّاها مسائل الغلط ، فقلّما يلزم صاحب الكتاب منه إلا الشىء النّزر. وهو أيضا ـ مع قلّته ـ من كلام غير أبى العباس. وحدّثنا أبو على عن أبى بكر عن أبى العباس أنه قال : إن هذا كتاب كنا عملناه فى أوان الشبيبة والحداثة ، واعتذر أبو العباس منه.
وأمّا كتاب العين ففيه من التخليط والخلل والفساد ما لا يجوز أن يحمل على أصغر أتباع الخليل ، فضلا (عن نفسه) ولا محالة أن (هذا تخليط لحق) هذا الكتاب من قبل غيره رحمهالله. وإن كان للخليل فيه عمل فإنما هو أنه أومأ إلى عمل هذا الكتاب إيماء ، ولم يله بنفسه ، ولا قرّره ، ولا حرّره. ويدلّ على أنه قد كان نحا نحوه أنى أجد فيه معانى غامضة ، ونزوات للفكر لطيفة ، وصنعة فى بعض الأحوال مستحكمة. وذاكرت به يوما أبا علىّ ـ رحمهالله ـ فرأيته منكرا له. فقلت : إن تصنيفه منساق متوجّه ، وليس فيه التعسّف الذى فى كتاب الجمهرة ، فقال : الآن إذا صنّف إنسان لغة بالتركيّة تصنيفا جيدا أيؤخذ به فى
__________________
(١) البيت من الكامل ، وهو للمخبل السعدى فى ديوانه ص ٣١٢ ، ولسان العرب (سجر) ، وتاج العروس (سجر). ويروى : طرفت بدلا من طرقت ، شئونها بدلا من : سئونها.
(٢) البيت من الخفيف ، وهو للأعشى فى ديوانه ص ٢٩٩ ، ولسان العرب (كبر) ، وتهذيب اللغة ١٠ / ٢١٦ ، وتاج العروس (كبر). أكبر النهار أى حين ارتفع. يقول : قتلناهم أول النهار فى ساعة قدر ما يشدّ المحيل أخلاف إبله لئلا يرضعها الفصلان. والإعتام : الإبطاء.