باب فى الجمع بين الأضعف والأقوى فى عقد واحد
وذلك جائز عنهم ، وظاهر وجه الحكمة فى لغتهم ؛ قال الفرزدق :
كلاهما حين جدّ الجرى بينهما |
|
قد أقلعا وكلا أنفيهما رابى (١) |
(فقوله : كلاهما قد أقلعا ضعيف ؛ لأنه حمل على المعنى ؛ وقوله : وكلا أنفيهما رابى) قوىّ لأنه حمل على اللفظ. وأنشد أبو عمرو الشيبانىّ :
كلا جانبيه يعسلان كلاهما |
|
كما اهتزّ خوط النّبعة المتتايع (٢) |
فإخباره ب (يعسلان) عن (كلا جانبيه) ضعيف على ما ذكرنا. وأمّا (كلاهما) فإن جعلته توكيدا ل (كلا) ففيه ضعف ؛ لأنه حمل على المعنى دون اللفظ. ولو كان على اللفظ لوجب أن يقول : كلا جانبيه يعسل كلّه ، أو قال : يعسلان كلّه ، فحمل (يعسلان) على المعنى ، و (كلّه) على اللفظ ، وإن كان فى هذا ضعف ؛ لمراجعة اللفظ بعد الحمل على المعنى. وإن جعلت (كلاهما) توكيدا للضمير فى (يعسلان) فإنه قوىّ ؛ لأنهما فى اللفظ اثنان ؛ كما أنهما فى المعنى كذلك.
وقال الله ـ سبحانه ـ : (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة : ١١٢] فحمل أوّل الكلام على اللفظ ، وآخره على المعنى ، والحمل على اللفظ أقوى.
__________________
(١) البيت من البسيط ، وهو للفرزدق فى أسرار العربية ص ٢٨٧ ، وتخليص الشواهد ص ٦٦ ، والدرر ١ / ١٢٢ ، وشرح التصريح ٢ / ٤٣ ، وشرح شواهد المغنى ص ٥٥٢ ، ونوادر أبى زيد ص ١٦٢ ، ولم أقع عليه فى ديوانه ، وهو للفرزدق أو لجرير فى لسان العرب (سكف) ، وبلا نسبة فى الإنصاف ص ٤٤٧ ، والخزانة ١ / ١٣١ ، ٤ / ٢٩٩ ، وشرح الأشمونى ١ / ٣٣ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ١٧١ ، وشرح المفصل ١ / ٥٤ ، ومغنى اللبيب ص ٢٠٤ ، وهمع الهوامع ١ / ٤١.
(٢) البيت من الطويل ، وهو لحميد بن ثور فى ديوانه ص ١٠٤ ، ولسان العرب (طرف) ، وتهذيب اللغة ٢ / ٢٨٤ ، ١٣ / ٣٢٢ ، وأساس البلاغة (تبع) ، (طرف) ، تاج العروس (تبع) ، (طرف). ويروى : ترى طرفيه بدلا من : كلا جانبيه ، عود الساسم بدلا من : خوط النبعة. يعسلان : يضطربان. والخوط : الغصن الناعم. النبعة : من أشجار الجبال يتخذ منه القسى.