من بعض ما كان يصلح له الأمام.
ومن ذلك أن يقال لك : من أين تجمع بين قول الله سبحانه : (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ* فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ) [الطارق : ٩ ، ١٠] مع قول الشاعر :
زمان علىّ غراب غداف |
|
فطيّره الدهر عنّى فطارا (١) |
فالجواب : أن فى كل واحد من الآية والبيت دليلا على قوّة شبه الظرف بالفعل.
أمّا الآية فلأنه عطف الظرف فى قوله : (فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ) على قوله : (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) والعطف نظير التثنية ؛ وهو مؤذن بالتماثل والتشابه. وأما البيت فلأنه عطف الفعل فيه على الظرف الذى هو قوله : (علىّ غراب غداف). وهذا واضح. وبهذا يقوى عندى قول مبرمان : إن الفاء فى نحو قولك : خرجت فإذا زيد عاطفة ، وليست زائدة كما قال أبو عثمان ؛ ولا للجزاء كما قال الزيادىّ.
ومن ذلك أن يقال : من أين تجمع قول الله سبحانه : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِ) [الإسراء : ١١١] مع قول امرئ القيس :
على لاحب لا يهتدى بمناره |
|
إذا سافه العود النباطىّ جرجرا (٢) |
والجواب أن معنى قوله : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِ) : لم يذلّ فيحتاج إلى ولىّ من الذّل ؛ كما أن هذا معناه : لا منار به فيهتدى به. ومثله قول الآخر :
لا تفزع الأرنب أهوالها |
|
ولا يرى الضبّ بها ينجحر (٣) |
وعليه قول الله تعالى : (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) [المدثر : ٤٨] أى لا
__________________
(١) البيت من المتقارب ، وهو للكميت فى لسان العرب (غرب) ، ويروى : الشيب بدلا من الدهر.
(٢) البيت من الطويل ، وهو لامرئ القيس فى ديوانه ص ٦٦ ، ولسان العرب (ديف) ، (سوف) ، (لحف) ، وتهذيب اللغة ٥ / ٧٠ ، ١٣ / ٩٢ ، ١٤ / ١٩٨ ، وأساس البلاغة (سوف) ، وتاج العروس (ديف) ، (لحف) ، (سوف) ، وبلا نسبة فى لسان العرب (نسا) ، ومقاييس اللغة ٢ / ٣١٨ ، ومجمل اللغة ٢ / ٣٠٤ ، ويروى : الدياضىّ بدلا من النباطى.
(٣) البيت من السريع ، وهو لابن أحمر فى ديوانه ص ٦٧ ، وأمالى المرتضى ١ / ٢٢٩ ، وخزانة الأدب ١٠ / ١٩٢ ، وبلا نسبة فى خزانة الأدب ١١ / ٣١٣.