فيكون قوله تعالى : (يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) على هذا مفيدا ، أى ليس الغرض تشبيهه بالطائر ذى الجناحين ، بل هو الطائر بجناحيه ألبتة. وكذلك قوله عز اسمه : (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ) [النحل : ٢٦] قد يكون قوله (من فوقهم) مفيدا.
وذلك أنه قد يستعمل فى الأفعال الشاقّة المستثقلة ؛ على قول من يقول : قد سرنا عشرا وبقيت علينا ليلتان ؛ وقد حفظت القرآن وبقيت علىّ منه سورتان ، وقد صمنا عشرين من الشهر وبقى علينا عشر. وكذلك يقال فى الاعتداد على الإنسان بذنوبه وقبيح أفعاله : قد أخرب علىّ ضيعتى وموّت علىّ عواملى ، وأبطل علىّ انتفاعى. فعلى هذا لو قيل : فخرّ عليهم السقف ولم يقل : من فوقهم لجاز أن يظنّ به أنه كقولك : قد خرّبت عليهم دارهم ، وقد أهلكت عليهم مواشيهم وغلاتهم ، وقد تلفت عليهم تجاراتهم. فإذا قال : (من فوقهم) زال ذلك المعنى المحتمل ، وصار معناه أنه سقط وهم من تحته. فهذا معنى غير الأوّل.
وإنما (اطّردت على) فى الأفعال التى قدّمنا ذكرها ؛ مثل خربت عليه ضيعته وموّتت عليه عوامله ونحو ذلك من حيث كانت (على) فى الأصل للاستعلاء.
فلمّا كانت هذه الأحوال (كلفا و) مشاقّ تخفض الإنسان وتضعه ، وتعلوه وتفرعه حتّى يخضع لها ويخنع لما يتسدّاه (١) منها كان ذلك من مواضع على ؛ ألا تراهم يقولون : هذا لك ، وهذا عليك ؛ فتستعمل اللام فيما تؤثره ، وعلى فيما تكرهه ؛ قالت :
سأحمل نفسى على آلة |
|
فإمّا عليها وإمّا لها (٢) |
وقال ابن حلزة :
__________________
ـ ـ (فضض) ، وجمهرة اللغة ص ١٤٧ ، ٧٢٩ ، وبلا نسبة فى المخصص ١٤ / ١٣٦. وعجز البيت :
*ويتبعها منهم خراش الحواجب*
القونس : أعلى بيضة الحديد.
(١) تسدّاه : ركبه وعلاه.
(٢) البيت من المتقارب ، وهو للخنساء فى ديوانها ص ٨٤ ، ولسان العرب (فوق) ، (علا) ، وجمهرة اللغة ص ٢٤٨ ، وكتاب العين ٨ / ٣٥٩ ، وبلا نسبة فى مقاييس اللغة ١ / ١٦٢.