(هل) من معنى الاستفهام.
فإن قلت : فقد أجازوا ليت زيدا أخوك قائما ونحو ذلك فنصبوه بما فى ليت من معنى التمنّى ، وقال النابغة :
كأنه خارجا من جنب صفحته |
|
سفّود شرب نسوه عند مفتأد (١) |
فنصب (خارجا) على الحال بما فى (كأنّ) من معنى التشبيه ، وأنشد أبو زيد :
كأنّ دريئة لمّا التقينا |
|
لنصل السيف مجتمع الصداع (٢) |
فأعمل معنى التشبيه فى (كأن) فى الظرف الزمانىّ الذى هو (لمّا التقينا).
قيل : إنما جاز ذلك فى (ليت) و (كأنّ) لما اجتمع فيهما : وهو أن كلّ واحدة منهما فيها معنى الفعل (من التمنى) والتشبيه (وأيضا) فكل (واحدة) منهما رافعة وناصبة كالفعل القوىّ المتعدّى ، وكلّ واحدة منهما متجاوزة عدد الاثنين ، فأشبهت بزيادة عدّتها الفعل ؛ وليس كذلك ما كان على حرف ، ولا ما كان على حرفين ؛ لأنه لم يجتمع فيه ما اجتمع فى ليت ولعلّ.
ولهذا كان ما ذهب إليه أبو العباس : من أنّ (إلا) فى الاستثناء هى الناصبة ؛ لأنها نابت عن (أستثنى) ، و (لا أعنى) مردودا عندنا ؛ لما فى ذلك من تدافع الأمرين : الإعمال المبقّى حكم الفعل ، والانصراف عنه إلى الحرف المختصر به القول.
نعم ، وإذا كانت هذه الحروف تضعف وتقلّ عن العمل فى الظروف كانت من العمل فى الأسماء الصريحة القويّة التى ليست ظروفا ولا أحوالا ولا تمييزا لاحقا بالحال اللاحقة بالظرف أبعد.
__________________
(١) البيت من البسيط ، وهو للنابغة الذبيانى فى ديوانه ص ١٩ ، والأشباه والنظائر ٦ / ٢٤٣ ، وخزانة الأدب ٣ / ١٨٥ ، ١٨٧ ، ولسان العرب (فأد) ، وتهذيب اللغة ١٤ / ١٩٦ ، وبلا نسبة فى رصف المبانى ص ٢١١ ، ٢٩٥ ، وكتاب العين ٨ / ٨. السفود : الحديدة التى يشوى عليها اللحم.
(٢) البيت من الوافر ، وهو بلا نسبة فى لسان العرب (أنن) ، والمخصص ٣ / ٣١. الدريئة : حلقة يتعلم عليها الطعن. ومجتمع الصداع الرأس.