فإن قلت : فقد قالوا : يا عبد الله ويا خيرا من زيد ، فأعملوا (يا) فى الاسم الصريح وهى حرف ، فكيف القول فى ذلك؟
قيل : ل (يا) فى هذه خاصة فى قيامها مقام الفعل ليست لسائر الحروف وذلك أن (هل) تنوب عن (أستفهم) ، و (ما) تنوب عن (أنفى) ، و (إلا) تنوب عن (أستثنى) وتلك الأفعال النائبة عنها هذه الحروف هى الناصبة فى الأصل. فلما انصرفت عنها إلى الحروف طلبا للإيجاز ، ورغبة عن الإكثار ، أسقطت عمل تلك الأفعال ، ليتمّ لك ما انتحيته من الاختصار. وليس كذلك يا.
وذلك (أن يا) نفسها هى العامل الواقع على زيد ، وحالها فى ذلك حال (أدعو) و (أنادى) فى كون كل واحد منهما هو العامل فى المفعول ، وليس كذلك ضربت وقتلت ونحوه. وذلك أن قولك : ضربت زيدا وقتلت عمرا الفعل الواصل إليهما المعبّر بقولك : ضربت عنه ليس هو نفس (ض ر ب) إنما ثمّ أحداث هذه الحروف دلالة عليها ؛ وكذلك القتل والشتم والإكرام ونحو ذلك. وقولك : أنادى عبد الله ، وأدعو عبد الله ؛ ليس هنا فعل واقع على (عبد الله) غير هذا اللفظ ، و (يا) نفسها فى المعنى ك (أدعو) ؛ ألا ترى أنك إنما تذكر بعد (يا) اسما واحدا ، كما تذكره بعد الفعل المستقلّ بفاعله إذا كان متعدّيا إلى مفعول واحد ؛ كضربت زيدا ، ولقيت قاسما ، وليس كذلك حرف الاستفهام وحرف النفى ، إنما تدخلهما على الجمل المستقلّة فتقول : ما قام زيد وهل قام أخوك. فلمّا قويت (يا) فى نفسها وأوغلت فى شبه الفعل تولّت بنفسها العمل.
فإن قلت : فإنما تذكر بعد (إلا) اسما واحدا أيضا ، قيل : الجملة قبل (إلا) منعقدة بنفسها ، وإلا فضلة فيها. وليس كذلك يا ؛ لأنك إذا قلت : يا عبد الله تمّ الكلام بها وبمنصوب بعدها ، فوجب أن تكون هى كأنها الفعل المستقل بفاعله ، والمنصوب هو المفعول بعدها ، فهى فى هذا الوجه كرويد زيدا.
ومن وجه آخر أن قولك : يا زيد لمّا اطّرد فيه الضمّ وتمّ به القول جرى مجرى ما ارتفع بفعله أو بالابتداء ؛ فهذا أدون حالى يا أعنى أن (يكون) كأحد جزأى الجملة. وفى القول الأوّل هى جارية مجرى الفعل مع فاعله. فلهذا قوى حكمها وتجاوزت رتبة الحروف التى إنما هى ألحاق وزوائد على الجمل.