أن يكون من هذا ، أى كأنها مخلوقة من الإقبال والإدبار ، لا على أن يكون من باب حذف المضاف ، أى ذات إقبال وذات إدبار. ويكفيك من هذا كلّه قول الله ـ عزوجل ـ (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ) [الأنبياء : ٣٧] وذلك لكثرة فعله إيّاه ، واعتياده له. وهذا أقوى معنى من أن يكون أراد : خلق العجل من الإنسان ؛ لأنه أمر قد اطّرد واتّسع ، فحمله على القلب يبعد فى الصنعة ، و (يصغّر المعنى).
وكأنّ هذا الموضع لمّا خفى على بعضهم قال فى تأويله : إن العجل هنا الطين.
ولعمرى إنه فى اللّغة كما ذكر ؛ غير أنه فى هذا الموضع لا يراد به إلا نفس العجلة والسرعة ؛ ألا تراه ـ عزّ اسمه ـ كيف قال عقبه (سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ) [الأنبياء : ٣٧] فنظيره قوله تعالى : (وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً) [الإسراء : ١١] ، (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) [النساء : ٢٨] ؛ لأن العجلة ضرب من الضعف ؛ لما تؤذن به من الضرورة والحاجة.
فلمّا كان الغرض فى قولهم : رجل عدل ، وامرأة عدل إنما هو إرادة المصدر والجنس جعل الإفراد والتذكير أمارة للمصدر المذكّر.
فإن قلت : فإن نفس لفظ المصدر قد جاء مؤنّثا ؛ نحو الزيادة ، والعبادة ، والضئولة ، والجهومة ، والمحمية ، والموجدة ، والطلاقة ، والسباطة. وهو كثير جدّا.
فإذا كان نفس المصدر قد جاء مؤنثا ، فما هو معناه ، ومحمول بالتأويل عليه أحجى بتأنيثه.
قيل : الأصل ـ لقوّته ـ أحمل لهذا المعنى ، من الفرع لضعفه. وذلك أن الزيادة ، والعبادة ، والجهومة ، والطلاقة ، ونحو ذلك مصادر غير مشكوك فيها ، فلحاق التاء لها لا يخرجها عمّا ثبت فى النفس من مصدريتها. وليس كذلك الصفة ؛ لأنها ليست فى الحقيقة مصدرا ؛ وإنما هى متأوّلة عليه ، ومردودة بالصنعة إليه. فلو قيل : رجل عدل ، وامرأة عدلة ـ وقد جرت صفة كما ترى ـ لم يؤمن أن يظنّ بها
__________________
وخزانة الأدب ١ / ٤٣١ ، ٢ / ٣٤ ، وشرح أبيات سيبويه ١ / ٢٨٢ ، والشعر والشعراء ١ / ٣٥٤ ، والكتاب ١ / ٣٣٧ ، ولسان العرب (رهط) ، (قبل) ، (سوا) ، والمقتضب ٤ / ٣٠٥ ، والمنصف ١ / ١٩٧ ، وبلا نسبة فى الأشباه والنظائر ٢ / ٣٨٧ ، ٤ / ٦٨ ، وشرح الأشمونى ١ / ٢١٣ ، وشرح المفصل ١ / ١١٥ ، والمحتسب ٢ / ٤٣. وصدر البيت :
*ترتع ما رتعت حتى إذا ادّكرت*