وكذلك لو كان حرف التعريف في نية الانفصال لما جاز نفوذ الجر إلى ما بعد حرف التعريف. وهذا يدل على شدة امتزاج حرف التعريف بما عرّفه. وإنما كان كذلك لقلّته وضعفه عن قيامه بنفسه ، ولو كان حرفين لما لحقته هذه القلة ، ولا جاز تجاوز حرف الجر له إلى ما بعده.
ودليل آخر يدل على شدة اتصال حرف التعريف بما دخل عليه ، وهو أنه قد حدث بدخوله معنى في ما عرّفه لم يكن قبل دخوله ، وهو معنى التعريف ، فصار المعرّف كأنه غير ذلك المنكور وشيء سواه ، ألا ترى إلى إجازتهم الجمع بين رجل والرّجل ، وغلام والغلام قافيتين في شعر واحد من غير استكراه ولا اعتقاد إيطاء ، فهذا يدلك على أن حرف التعريف كأنه مبني مع ما عرّفه ، كما أن ياء التحقير مبنية مع ما حقّرته ، وكما أن ألف التكسير مبنية مع ما كسّرته ، فكما جاز أن يجمع بين رجلكم ورجيلكم قافيتين ، وبين درهمك ودراهمكم ، كذلك جاز أيضا أن يجمع بين رجل والرجل ، لأن النكرة شيء سوى المعرفة ، كما أن المكبّر غير المصغّر ، وكما أن الواحد غير الجمع. فهذا أيضا دليل قوي يدل على أن حرف التعريف مبني مع ما عرّفه أو كالمبني معه.
ويزيدك تأنيسا بهذا أن حرف التعريف نقيض التنوين ، لأن التنوين دليل التنكير ، كما أن هذا الحرف دليل التعريف ، فكما أن التنوين في آخر الاسم حرف واحد ، فكذلك حرف التعريف من أوله ينبغي أن يكون حرفا واحدا.
فأما ما يحتج به الخليل (١) من انفصاله عنه بالوقوف عليه عند التذكر ، فإن ذلك لا يدل على أنه في نية الانفصال منه ، لأن لقائل أن يقول : إنه حرف واحد ، ولكن الهمزة لما دخلت على اللام ، فكثر اللفظ بها أشبهت اللام بدخول الهمزة عليها من جهة اللفظ لا المعنى ما كان من الحروف على حرفين نحو هل ، ولو ، ومن ، وقد ، فجاز فصلها في بعض المواضع. وهذا الشبه اللفظي موجود في كثير من كلامهم ، ألا ترى أن أحمد وبابه مما ضارع الفعل لفظا إنما روعيت فيه مشابهة اللفظ فمنع ما يختص بالأسماء ، وهو التنوين ، وجذب إلى حكم الفعل من ترك التنوين.
__________________
(١) انظر الكتاب (٢ / ٦٤).