فإن قلت : فإنّ «ودّا» إنما قلبوا فيه الأول إلى لفظ ما أدغموه فيه وهو الدال ، فقالوا «ودّ» وأنت في «سيّد» و «ميّت» إنما قلبت الثاني إلى لفظ الأول ، فكيف هذا؟
فالجواب : أنهم إنما فعلوا ذلك بالواو لغلبة الياء عليها ، وإنما غلبت الياء على الواو لخفة الياء وثقل الواو ، فهربوا إلى الأخف ، فلما وجبت هذه القضية في الواو والياء أجريت الضمة مجرى الواو ، والكسرة مجرى الياء ، لأنهما بعضان ونائبتان في كثير من المواضع عنهما ، فقلبت الواو الساكنة للكسرة قبلها ياء ، فقالوا : «ميزان» و «ميقات» والياء الساكنة للضمة قبلها واوا ، فقالوا «موسر» و «موقن» وقويت الحركتان وإن كانتا ضعيفتين على قلب الياء والواو من قبل أنهما لما سكنتا قويت الحركة على إعلالهما وقلبهما.
فكما تقلب الياء الواو المتحركة في نحو «سيّد» و «قيّم» لأن أصلهما «سيود» و «قيوم» كذلك قلبت الكسرة الواو الساكنة في نحو «ميقات» و «ميعاد» والضمة الياء الساكنة في نحو «موسر» و «موقن» وذلك أن الحرف أقوى من الحركة ، فكما قلبت الياء بقوتها الواو المتحركة ، كذلك قلبت الكسرة والضمة الواو والياء الساكنتين دون المتحركتين لضعفهما.
فإن قلت : فما بالهم قالوا «سائل» و «سيّل» و «عائل» و «عيّل».
قال أبو النجم (١) :
كأنّ ريح المسك والقرنفل |
|
نباته بين التّلاع السّيّل (٢) |
__________________
(١) البيتان في ديوانه (ص ٢٠٩) وهما منسوبان إليه في شرح الملوكي (ص ٤٩٥) ، وشرح المفصل (١٠ / ٣١) بغير نسبة.
(٢) التلاع : جمع تلعة وهي مسيل الماء. لسان العرب (٨ / ٣٦). يصف الشاعر واديا ترعى فيه الإبل فهو كثير القرنفل تفوح منه الروائح الذكية. والشاهد في مجيء كلمة السيل على هذا الوزن دون قلب الياء الأولى. إعراب الشاهد : السيل : نعت مجرور ، وعلامة جره الكسرة.