ودليل آخر يدل على أن «ظبة» ليست محذوفة العين ، وهو جمعهم إياها بالواو والنون نحو «ظبون» و «ظبين» ولم نرهم جمعوا شيئا مما حذفت عينه بالواو والنون ، إنما ذلك فيما حذفت لامه ، نحو «سنون» و «عضون» أو فاؤه نحو «لدون» (١).
ولا يجوز أيضا أن تكون الفاء محذوفة لما قدّمناه ، فثبت أن اللام هي المحذوفة دون غيرها. ومن أقوى دليل على حذف لامها قولهم في جمعها «ظبا» فاللام كما ترى هي المعتلة ، ونظيرها «لغة ولغى» و «برة وبرا» وأصلها «ظبوة» بالواو لما ذكرناه في «ثبة».
وأما «مائة» فيدل على أنها محذوفة اللام قولهم : «أمأيت الدراهم» (٢) وليس في قولهم «أمأيت» ما يدل على أن اللام ياء دون الواو لقولهم : «أدنيت» و «أعطيت» وهما من «دنوت» و «عطوت» كقولك : «أرميته» و «أسقيته» وهما من «رميت» و «سقيت» ولكن الذي يدل على أن اللام من «مائة» ياء ما حكاه أبو الحسن من قولهم : «رأيت مئيا» في معنى «مائة» فهذه دلالة قاطعة على كون اللام ياء.
ورأيت ابن الأعرابي قد ذهب إلى ذلك أيضا ، فقال في بعض أماليه : إن أصل «مائة» : «مئية». فذكرت ذلك لأبي علي ، فعجب منه أن يكون ابن الأعرابي ينظر من هذه الصناعة في مسئله ؛ لأن علمه كان أكثف من هذا ، ولم ينظر من اللطيف الدقيق في هذه الأماكن ، وإن كان بحمد الله والاعتراف بموضعه جبلا في الرواية وقدوة في الثقة ، ولعله أن يكون وصل إليه ذلك من جهة أبي الحسن ، أو من الجهة التي وصل ذلك منها إلى أبي الحسن.
وأما «رئة» فمن الياء لا محالة ، لأن أبا زيد حكى عنهم «رأيت الرجل» إذا أصبت رئته. فهذه أيضا دلالة قاطعة ، وأصلها «رئية» كما ترى.
وأما «سنة» فقد تقدمت الدلالة على حذف لامها في عدة مواضع من هذا الكتاب ، وأنه يجوز أن تكون واوا ، وأن تكون هاء.
__________________
(١) لدون : لدّ : موضع ، اسم رملة بضم اللام في الشام. اللسان (٣ / ٣٩١).
(٢) أمأيت الدراهم : جعلتها مائة. لسان العرب (١٥ / ٢٧١) مادة / مأي.