فإن قلت : فما بالك تقول : والله لأقومنّ ، فتبدل الواو من الباء في قولك : بالله لأقومنّ ، وأنت تزعم أن الجر بعد واو القسم إنما هو للواو نفسها لأنها نائبة عن الباء وبدل منها ، فهلا زعمت مثل ذلك في الواو إذا كانت عاطفة؟
فالجواب : أن بين الموضعين فرقا ، وذلك أن الواو في القسم إنما هي بدل من الباء وواقعة موقعها ، وليست الباء مقدّرة بعد الواو كما يقدّر العامل بعد حرف العطف ، ألا ترى أن من قال : قام زيد وقام عمرو ، فأظهر العامل بعد حرف العطف لم يجز على وجه من الوجوه أن يقول : وبالله لأقومنّ ، على أن تكون الواو للقسم ، وإنما هي ههنا عطف ، وحرف القسم الموصل له إنما هو الباء بعد الواو ، وليست الواو ههنا للقسم ، وأما حرف العطف فهو مع إظهار العامل بعده وحذفه جميعا حرف عطف.
ألا ترى أنك إذا قلت : قام زيد وعمرو فالواو حرف عطف ، وإذا قلت : قام زيد وقام عمرو فالواو أيضا حرف عطف أظهرت العامل أو حذفته ، وليست الواو في قولك : والله لأقومنّ هي الواو في قولك : وبالله لأقومنّ ، فلما كانت الواو في القسم إنما هي بدل من بائه البتة حتى لا تظهر معها ، جرت في العمل مجراها ، وحسّن إقامتها في العمل مقامها أن الواو ضارعت الباء لفظا ومعنى ، أما اللفظ فلأن الباء شفهية ، والواو أيضا كذلك ، وأما المعنى فلأن الباء للإلصاق والواو للاجتماع ، والشيء إذا لاصق الشيء فقد جامعه ، وليست كذلك واو العطف ، لأنها لا تضارع العامل الذي دلت عليه وقامت مقامه لفظا ولا معنى ، ألا ترى أنك إذا قلت : ضربت زيدا وبكرا فإن أصله : ضربت زيدا وضربت بكرا ، فالواو لا تضارع «ضرب» لفظا ولا معنى ، ألا ترى أن «ضرب» ثلاثة أحرف والواو حرف واحد ، وهذه حرف ، وذلك فعل ، فهما جنسان متباينان ، فلذلك جاز أن تكون الواو في القسم عاملة ، ولم يجز أن يكون حرف العطف عاملا ، فتفهّمه.
واعلم أن هذه الواو إذا كانت عاطفة فإنها دالة على شيئين :
أحدهما الجمع ، والآخر العطف ، إلا أن دلالتها على الجمع أعم فيها من دلالتها على العطف ، يدل على ذلك أنّا لا نجدها إذا لم تكن بدلا من باء القسم مجردة من معنى الجمع ، وقد نجدها معرّاة من معنى العطف ، ألا ترى أن الواو التي بمعنى «مع» في قولك : استوى الماء والخشبة ، وجاء البرد والطيالسة ، قد تجدها