وتأولوا قوله عز اسمه : (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) (النساء : ٩٠) على معنى : قد حصرت صدورهم (١). وذهب آخرون إلى أن تقديره : أو جاؤوكم رجالا أو قوما حصرت صدورهم ، فـ (حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) الآن في موضع نصب لأنها صفة حلت محل موصوف منصوب على الحال ، على أن في هذا بعض الضعف لإقامتك الصفة مقام الموصوف ، وهذا مما الشعر وموضع الاضطرار أولى به من النثر وحال الاختيار. وإذا وقعت هذه الجملة بعد هذه الواو كنت في تضمينها ضمير صاحب الحال وترك تضمينها إياه مخيرا ، فالتضمين كقولك : جاء زيد وتحته فرس ، وترك التضمين كقولك : جاء زيد وعمرو يقرأ. وإنما جاز استغناء هذه الجملة عن ضمير يعود منها إلى صاحب الحال من قبل أن الواو ربطت ما بعدها بما قبلها ، فلم تحتج إلى أن يعود منها ضمير على الأول ليرتبط به آخر الكلام بأوله ، وإن جئت به فيها فحسن جميل ؛ لأن فيه تأكيدا لارتباط الجملة بما قبلها. فأما إذا لم يكن هناك واو فلا بدّ من تضمّن الجملة ضميرا من الأول ، وذلك نحو قولك : أقبل محمد على رأسه قلنسوة (٢) ، ولو قلت : أقبل محمد على جعفر قلنسوة ، وأنت تريد : أقبل محمد وهذه حاله لم يجز ؛ لأنك لم تأت بالواو التي هي رابطة ما بعدها بما قبلها ، ولا بضمير يعود من آخر الكلام فيدل على أنه معقود بأوله. وإذا فقدت جملة الحال هاتين الحالتين انقطعت مما قبلها ، ولم يكن هناك ما يربط الآخر بالأول.
وعلى هذا قول الشاعر (٣) :
نصف النهار الماء غامره |
|
ورفيقه بالغيب لا يدري (٤) |
__________________
(١) هذا قول الفراء. معاني القرآن (١ / ٢٨٢).
(٢) القلنسوة : من ملابس الرؤوس معروف. لسان العرب (٦ / ١٨١) مادة / قلس.
(٣) هو المسيب بن علس كما في جمهرة اللغة (٣ / ٨٣) ، ولسان العرب (٩ / ٣٣١) مادة / نصف.
(٤) نصف : أراد انتصف النهار ، والماء غامره فانتصف النهار ولم يخرج من الماء. اللسان (٩ / ٣٣١) غامره : من غمره الماء إذا دخل في معظمه. ورفيقه : صاحبه. الشرح : يصف الشاعر غائصا غاص في الماء حتى انتصف النهار وصديقه واقف على الشاطئ لا يدري ما كان منه. والشاهد في «الماء غامره» فقد جاءت حالا لـ «الغائص» دون واو الحال كما في المتن.