يصف غائصا غاص في الماء من أول النهار إلى انتصافه ورفيقه على شاطئ الماء ينتظره ولا يدري ما كان منه ، فيقول : انتصف النهار وهذه حاله ، فالهاء من «غامره» ربطت الجملة بما قبلها حتى جرت حالا على ما قبلها ، فكأنك قلت : انتصف النهار على الغائص غامرا له الماء ، كما أنك إذا قلت : جاء زيد وجهه حسن ، فكأنك قلت : جاء زيد حسنا وجهه.
فأما قوله تعالى : (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ) (الكهف : ٢٢) فلا يجوز أن يكون (رابِعُهُمْ) وصفا ل (ثَلاثَةٌ) على أن يكون (كَلْبُهُمْ) رفعا لغلام ، وترفع زيدا بفعله ، وهو الضرب ، من قبل أن (رابِعُهُمْ) في هذا الموضع وإن كان اسم فاعل ، فإنه يراد به الماضي ، وإذا كان اسم الفاعل ماضيا في المعنى لم يجز أن يعمل عمل الأفعال ، لا رفعا ولا نصبا ، ألا ترى أنك لا تقول : هذا رجل قائم أمس أخوه على أن ترفع الأخ بفعله ، وهو القيام ، كما لا يجوز أن تقول : هذا رجل غلام أخوه ، فترفع الأخ بفعله ، وتجعل الغلام فعلا له ، لأن اسم الفاعل إذا أريد به الماضي جرى مجرى غلام وفرس ورجل وما لا معنى فعل فيه ، فقد بطل إذن أن يرفع (كَلْبُهُمْ) بما في (رابِعُهُمْ) من معنى الفعل إذ كان (رابِعُهُمْ) يراد به هنا المضيّ.
ولا يجز أيضا أن يرتفع (رابِعُهُمْ) بالابتداء ، ويجعل (كَلْبُهُمْ) خبرا عنه على أن تكون الجملة حالا ل (ثَلاثَةٌ) لأنك لو فعلت ذلك لم تجد للحال ما ينصبها ، ألا ترى أن التقدير : سيقولون هم ثلاثة ، وليس في قولك هم ثلاثة ما يجوز أن ينصب على الحال.
فإن قلت : فهلا جعلت تقديره : هؤلاء ثلاثة ، فنصبت الحال بعدها بما في هؤلاء من معنى التنبيه ، كما تقول : هؤلاء إخوتك قياما؟
فذلك محال هنا لأنهم يكونوا مشاهدين ، ولو كانوا مشاهدين لما وقع التشكك في عدّتهم ، أو لا ترى أن في الآية (رَجْماً بِالْغَيْبِ) وإنما وقع الإخبار عنهم وهم غير مشاهدين ، فإذا لم يجز أن يكون في الكلام ما ينصب حالا لم يجز على شيء منه ، ولأن (ثَلاثَةٌ) أيضا نكرة ، وسبيل الحال أن تأتي بعد المعرفة ، هذا هو الغالب من أمرها والأسير في أحكامها ، إلا أن يجيء ذلك شاذا أو على ضرورة أو قلة من الكلام ، وليست هنا ضرورة ولا ظهور نصب يحتمل له إجراء الحال على النكرة.