فإن قلت : فاجعل (رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ) مبتدأ وخبرا ، واجعل الجملة المنعقدة منهما وصفا ل (ثَلاثَةٌ) كما تقول : هم ثلاثة غلامهم أبوهم؟
فذلك عندنا في هذا الموضع غير سائغ ولا مختار ، وإن كان في غير هذا الموضع جائزا ، والذي منع من إجازته هنا وضعّفها أن الجملة التي في آخر الكلام فيها واو العطف ، وهو قوله عز وجل : (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) فكما ظهرت الواو في آخر الكلام ، فكذلك ـ والله أعلم ـ هي مرادة في أوله لتتجنّس الجمل في أحوالها والمراد بها ، فكأنه ـ والله أعلم ـ سيقولون ثلاثة ورابعهم كلبهم ، ويقولون خمسة وسادسهم كلبهم رجما بالغيب ، ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم ، إلا أن الواو حذفت من الجملتين المتقدمين لأن الذي فيهما من الضمير يعقدهما بما قبلهما لا عقد الوصف ولا عقد الحال لما ذكرناه ، ولكن عقد الإتباع ، لا سيما وقد ظهرت الواو في الجملة الثالثة ، فدل ذلك على أنها مرادة في الجملتين المتقدمتين.
واعلم أن هذه الواو وما بعدها إذا أريد بالجميع الحال في موضع نصب بما قبلها من العوامل التي يجوز لمثلها نصب الحال ، فقولك : أقبل أخوك وثوبه نظيف ، في موضع : أقبل أخوك نظيفا ثوبه ، فكما تنصب «نظيفا» بـ «أقبل» كذلك تنصب موضع قولك : وثوبه نظيف بـ «أقبل».
وإذا كان ذلك كذلك فقوله عز اسمه : (يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ) (آل عمران : ١٥٤) في تقدير : يغشى طائفة منكم مهمّة طائفة منكم أخرى أنفسهم في وقت غشيانه تلك الطائفة الأولى ، ولا بدّ من هذا التقدير ، كما أن قولك : جاءت هند وعمرو ضاحك في تقدير : جاءت هند ضاحكا عمرو في وقت مجيئها ، حتى يعود من الجملة التي هي حال ضمير على صاحب الحال ، ولهذا شبهها سيبويه بـ «إذ» قال أبو علي : إنما فعل ذلك من حيث كانت «إذ» منتصبة الموضع بما قبلها أو بعدها كما أن الواو منتصبة الموضع في الحال ، ولأن ما بعد «إذ» لا يكون إلا جملة ، كما أن ما بعد واو الحال لا يكون إلا جملة ، ولهذا قال سيبويه : «واو الابتداء» يعني هذه الواو إذ كان ما بعدها سبيله أن يكون جملة من مبتدأ وخبر ، ولأجل أن بين الحال والظرف هذه المصاقبة (١) ما ذهب الكسائي إلى أن نصب الحال إنما
__________________
(١) المصاقبة : القرب والدنو. لسان العرب (١ / ٥٢٥) مادة / صقب.