هو لشبهها بالظرف. ويؤكد الشبه أيضا أنك قد تعبر عن الحال بلفظ الظرف ، ألا ترى أن قولك : جاء زيد ضاحكا في معنى : جاء زيد في حال ضحكه ، وعلى حال ضحكه ، فاستعمالك هنا لفظ «في» و «على» يؤنسك بالوقت والظرفية ، فاعرفه.
وأما واو القسم فنحو قولك : والله لأقومنّ ، وو الله لأقعدنّ ، وقد تقدم القول عليها ، وأنها بدل من باء الجر ، والعلة في جواز إبدالها منها في حرف الباء.
واعلم أن البغداديين (١) قد أجازوا في الواو أن تكون زائدة في مواضع :
منها قوله جل اسمه : (فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ. وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ) (الصافات : ١٠٣ ـ ١٠٤) (٢) قالوا : معناه ناديناه ، والواو زائدة.
ومنها قوله تعالى : (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ. وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ. وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ) (الإنشقاق : ١ ـ ٣) قالوا : معناه إذا السماء انشقت إذا الأرض مدت ، فتكون «إذا» الثانية خبرا عن «إذا» الأولى ، كما تقول : وقت يقوم زيد وقت يقعد عمرو. وأجازوا أيضا في هذه الآية أن يكون التقدير : إذا السماء انشقت أذنت لربها.
ومنها قوله عز اسمه : (حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها) (الزمر : ٧٣) تقديره عندهم : حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها.
واحتجوا لجواز ذلك بقول الشاعر (٣) :
حتى إذا امتلأت بطونكم |
|
ورأيتم أبناءكم شبّوا |
وقلبتم ظهر المجنّ لنا |
|
إن الغدور الفاحش الخبّ (٤) |
__________________
(١) يعني الكوفيين. انظر مذهبهم هذا «معاني القرآن» للفراء (١ / ١٠٧ ـ ١٠٨ ، ٢٣٨).
(٢) أسلما : استسلما لأمر الله ، والضمير عائد على سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل صلاة الله وسلامه عليهما. تلّه : ألقاه على عنقه وخدّه. اللسان (١١ / ٧٧). حين استسلم إبراهيم وإسماعيل لأمر الله نادى ربنا سيدنا إبراهيم. والشاهد في الآية «وناديناه» فقد أراد «ناديناه» زادت الواو على رأي الكوفيين.
(٣) هو الأسود بن يعفر يهجو بني نجيح من بني مجاشع بن دارم ، والبيتان في ديوانه (ص ١٩).
(٤) قلب ظهر المجن : كناية عن إظهار العداوة والفحش. الخبّ : المخادع الغشاش. لسان العرب (١ / ٣٤١) مادة / خبب.