وأما إبدالها منهما منقلبتين فقولهم : «أعطى ، وأغزى ، واستقصى ، وملهى ، ومغزى ، ومدعى» أصل هذا كله «أعطو ، وأغزو ، واستقصو ، وملهو ، ومغزو ، ومدعو» فلما وقعت الواو رابعة فصاعدا قلبت ياء ، فصارت في التقدير «أعطي ، وأغزي ، واستقصي ، وملهي ، ومغزي ، ومدعي» فلما وقعت الياء طرفا في موضع حركة وما قبلها مفتوح قلبت ألفا ، فصارت «أغزى ، وأعطى ، وملهى ، ومغزى» فالألف إذن إنما هي بدل من الياء المبدلة من الواو.
وكذلك لو بنيت من «قرأت» مثل «دحرج» لقلت «قرأى» وأصله «قرأأ» فلما اجتمعت الهمزتان في كلمة واحدة قلبت الآخرة ياء ، فصارت في التقدير «قرأي» ثم قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، فصارت «قرأى». فالألف في «قرأى» إذن إنما هي بدل من الياء في «قرأي» ، والياء بدل من الهمزة الثانية في «قرأأ».
ويدلك على أنه لا بدّ من هذا التقدير فيها لتكون الألف بدلا من الياء المبدلة من الهمزة قول النحويين في مثال «فعلّ» من قرأت : «قرأي» أفلا ترى كيف أبدلوها هنا ياء. وكذلك قولهم في مثال «فرزدق» من قرأت : «قرأيأ» وأصله «قرأأأ» فأبدلوا الهمزة الوسطى ياء ليفصلوا بها بين الهمزتين الأولى والآخرة. ويدلك أيضا على صحة ذلك أنك متى أسكنت اللام فزالت الفتحة رجعت اللام إلى أصلها ، وهو الياء ، وذلك قولك في «افعللت» من قرأت ، وهدأت : «اقرأيت» و «اهدأيت» ، ولهذا نظائر. فهذا إبدال الألف عن الياء المبدلة.
وأما إبدالها عن الواو المبدلة فنحو قولك في ترخيم «رحويّ» اسم رجل على قول من قال «يا حار» : «يا رحا أقبل» وذلك أنك حذفت ياء النسب ، فبقي التقدير «يا رحو» ، فلما صارت الواو على هذا المذهب حرف إعراب ، واجتلبت لها ضمة النداء كالضمة المجتلبة في راء «حارث» إذا قلت «يا حار» أبدلت الواو ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، فقلت : «يا رحا أقبل» فالألف الآن في «رحا» إنما هي بدل من الواو في «رحويّ» والواو في «رحويّ» بدل من ألف «رحى» في قولك : هذه رحى ، ورأيت رحى ، ومررت برحى ، وألف «رحى» هذه بدل من الياء التي هي لام في «رحيان». وكذلك القول في ترخيم «فتويّ» و «هدويّ» و «شرويّ» على لغة من قال : «يا حار» إذا قلت : «يا فتى» و «يا هدى» و «يا شرى»