أحدهما : أنها متحركة محذوفة في الجزم ، وليس في الدنيا حرف متحرك يحذف في الجزم.
والآخر : أنه لو كانت النون حرف إعراب لوجب أن تجري عليها حركات الإعراب ، فتقول : هما يقومان ، وأريد أن تقومان ، فتضمها في الرفع ، وتفتحها في النصب ، فإذا صرت إلى الجزم وجب تسكينها ، فإذا سكنت والألف قبلها ساكنة كسرت لالتقاء الساكنين ، فتقول : لم يقومان ، فلما كان القضاء بكون نون «يقومان» حرف إعراب يقود إلى هذا الذي ذكرته ، ورأيت العرب قد اجتنبته ، علمت أن النون ليست عندهم بحرف إعراب ، فإذا لم يجز أن تكون الميم حرف إعراب ، ولا الألف ، ولا النون ، علمت أنه لا حرف إعراب للكلمة.
وإذا لم يكن لها حرف إعراب دلّك ذلك على أن الإعراب فيها ليس له تمكن الإعراب الأصلي الذي هو الحركة ، وإذا كان ذلك كذلك علمت به أن النون في «يقومان» تقوم مقام الضمة في «يقوم» وأنها ليس لها تمكن الحركة ، وإنما هي دالة عليها ونائبة عنها ، فكذلك أيضا لا يمتنع أن تكون الألف عند أبي الحسن دليل الإعراب ، أي قائمة مقامه ونائبة عنه ، فإذا رأيتها فكأنك قد رأيته ، كما أنك إذا رأيت النون في الأفعال المضارعة فكأنك قد رأيت الضمة في الواحد ، فقد سقط بهذا الذي ذكرناه ما ألزمه أبو إسحاق إياه.
قال أبو علي : ولا تمتنع الألف على قياس قول سيبويه إنها حرف إعراب أن تدل على الرفع كما دلت عليه عند أبي الحسن لوجودنا حروف إعراب تقوم مقام الإعراب في نحو : أبوك ، وأباك ، وأبيك ، وأخواته ، وكلاهما ، وكليهما ، ولكن وجه الخلاف بينهما أن سيبويه يزعم أنها حرف إعراب ، وأبو الحسن يقول : إنها ليست حرف إعراب ، فهذا ما في خلاف أبي الحسن.
وأما قول أبي عمر إنها في الرفع حرف إعراب كما قال سيبويه ، ثم إنه كان يزعم أن انقلابها هو الإعراب ، فضعيف مدفوع أيضا ، وإن كان أدنى الأقوال إلى الصواب الذي هو رأي سيبويه. ووجه فساده أنه جعل الإعراب في الجر والنصب معنى لا لفظا ، وفي الرفع لفظا لا معنى ، فخالف بين جهات الإعراب في اسم واحد ؛ ألا ترى أن القلب معنى لا لفظ ، وإنما اللفظ هو نفس المقلوب والمقلوب إليه ، وليس