فإن قلت : فأيّ أيضا على ثلاثة أحرف ، فهلا دخلت اللام عليها ، فقيل : مررت بزيد الأيّ أخوه منطلق ، كما تقول : الذي أخوه منطلق ، ويكون الأيّ في الوصف بمنزلة الرّثّ (١) ، والصّبّ (٢) ، والخبّ (٣) ، كما كان الذي بمنزلة العمي ، والجوي (٤) ، والنّدي؟
فالجواب : أن في أيّ سرا يمنع من هذا الذي سمته فيها ، وأن الحكمة في عدولهم عنها إلى الذي ، وذلك أن أيّا في أي موضع وقعت من كلامهم من الخبر والاستفهام والشرط والتعجب ، فليست منفكة من معنى الإضافة لأنها أبدا بعض من كلّ ، فلا بدّ من اعتقاد إضافتها وإرادتها لفظا أو معنى فيها ، فلما شاع فيها معنى الإضافة بعدت عن الصفة ، فلم توضع موضعا يقتصر بها لأجله على الصفة البتة كما فعل ذلك بالذي ، وإنما منعت الإضافة من ذلك لأنها تنافر الصفة في اللفظ والمعنى ، أما في اللفظ فلأن كل صفة معرفة فلا بدّ فيها من لام المعرفة على ما تقدّم ، ولام المعرفة لا تجامع الإضافة لأنهما يتعقبان الكلمة ، فلا يجتمعان معا ، فأما قولهم : الحسن الوجه ، والكريم الأب وبابهما فإن الإضافة فيهما غير محضة (٥) ، وتقدير الانفصال فيهما واجب ، ألا ترى أن المعنى : الحسن وجهه ، والكريم أبوه ، على أن هذا الاتساع في اللفظ بالجمع بين اللام والإضافة إنما جاء في الصفات المشتقة من الأفعال (٦) نحو : الحسن من حسن ، والظريف من ظرف ، و «أيّ» ليست بصفة ولا جارية على فعل ، فبعدت من أحكام الصفات.
__________________
(١) الرث : رديء المتاع. (ج) رثاث. القاموس المحيط (١ / ١٦٧) مادة / رثث.
(٢) الصب : يقال : صب إليه أي رق واشتاق فهو صب وهي صبة. القاموس المحيط (١ / ٩١).
(٣) الخب : فلان خب في الأمر أي أسرع ، والخب : المخادع الغشاش لقوله ـ صلّى الله عليه وسلم ـ : «لا يدخل الجنة خبّ ولا خائن». القاموس المحيط (١ / ٥٩).
(٤) الجوى : مرض الصدر ، وكذا إذا اشتد الوجد من عشق أو حزن. القاموس (٤ / ٣١٤).
(٥) فإن الإضافة فيهما غير محضة : وهي أن يكون الجزء الأول بمنزلة الفعل المضارع في إفادته الحال أو الاستقبال : أي اسم الفاعل أو اسم المفعول أو صفة مشبهة ، كقوله تعالى : (هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ) (المائدة : ٩٥). شرح ابن عقيل (٢ / ٤٤) ، شذور الذهب (٣٢٦).
(٦) الصفات المشتقة من الأفعال : ويقصد بها أن تشتق الصفة من الفعل مثل الحسن من حسن ، الظريف من ظرف.