وهذا ليس عذرا مقنعا ، وإنما فيه بعض التأنيس ، والقول بعد قول سيبويه. فقول من قال : إنّ لبّيت بالحج من قولنا : «ألبّ بالمكان» إلى قول يونس أقرب منه إلى قول سيبويه ، ألا ترى أن الياء في «لبّيك» عند يونس إنما هي بدل من الألف المبدلة من الياء المبدلة من الباء الثالثة في «لبّب» على تقدير قول يونس ، وهذا كله منتزع من قول سيبويه والخليل : إن لبّيك من قولهم ألبّ بالمكان (١) ، إلا أنهما لم يزعما أن الياء في «لبيّك» بدل من باء ، وإنما الياء عندهم علم على التثنية ، وإن وزن «لبّيك» على قولهما «فعليك» كما أن «سعديك» كذلك لا محالة ، ووزنه عند يونس «فعللك» ، والياء فيه بدل من اللام الثانية ، فاعرف هذه المسألة ، فإنها من لطيف ما في هذا الكتاب ، وإن أعان الله على شرحه وتفسيره سقت جميعه من التقصي والتنظيف على هذه الطريق ، وعلى ما هو ألطف وأدق بإذن الله.
إبدال الياء من الراء
وذلك قول بعضهم : «شيراز» (٢) و «شراريز» ، حكاها أبو الحسن ، فأصل «شيراز» على هذا «شرّاز» فأبدلت الراء الأولى ياء.
ومثله قولهم : «قيراط» و «قراريط» وأصله «قرّاط» والعلة واحدة.
فأما من قال في «شيراز» : «شواريز» فإنه جعل الياء فيه مبدلة من واو ، وكان أصله على هذا «شوراز» ، فلما سكنت الواو وانكسر ما قبلها قلبت ياء ، ثم إنه لما زالت الكسرة في الجمع رجعت الواو ، فقالوا : «شواريز».
فإن قلت : فإن بناء «فوعال» ليس موجودا في الكلام ، فمن أين حملت واحد «شواريز» عليه؟
فالجواب : أن ذلك إنما رفض في الواحد لأجل وقوع الواو ساكنة بعد الكسرة ، فلم يمكن إظهارها ، فلما لم يصلوا إلى إظهار الواو في الواحد لما ذكرناه ، وكانوا يريدونها أظهروها في الجمع ليدلوا على ما أرادوه في الواحد ، وليعلموا أنها لم تزد في
__________________
(١) الكتاب (١ / ١٧٦ ـ ١٧٧).
(٢) شيراز : اللبن الرائب المستخرج ماؤه. القاموس المحيط (٢ / ١٧٨) مادة / شرز.